اضطرابُ مَا بَعدَ الصَدمَةِ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

تَحَدَثنا الأُسبوعَ المَاضِي عَن مَاهيّةِ الصَدمةِ النَفْسِّيةَ وذَكَرنَا أنَ: الصدمةَ النَفْسِّيةَ هِي جُرح/إصابة لِلنفسيةِ نَاتجةً عَن العُنفِ الخَارجِي. في كثيرٍ مِنَ الحَالاتِ، تَلتَئمُ الجَروحُ النَفسِّيةُ بِمرورِ الوَقتِ وفي حَالاتٍ أُخرَى لا تَلتَئم. إذا لَم تَتمكن الإصابات من الاِلتِئامِ فَيُمكِنُ حُدوثَ مَا يُسَمى بالاضْطِرَابِ التابع للصَدمَةِ. في مقالِ المُدونةِ هَذا سَوفَ نَكتُبُ عَن اِضطِرَابٍ محددٍ تابع لِلصَدمةِ، أَلا وهو اضطرابُ مَا بَعدَ الصَدمة (أو اِضطِرابُ الكَربِ التَالِي لِلصدمةِ

غَالِباً مَا يُعَانِي الأَشخاصُ المُتَضَرِرونَ مِنَ الحَربِ والفَرارِ مِن أَحدَاثٍ صَادِمَةٍ مُتَكَرِرةَ. نتيجةً لِهَذِهِ التَجارُبِ الشَدِيدةِ وَطَويِلةِ الأَمدِ مِن العُنفِ، هُنَاكَ اِحتمال مُتزايد لِلإصابةِ بِاضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ. مِنَ المُهمِ قَولَ أَنَ اِضطِرَابَ مَا بَعدَ الصَدمةِ هو رَدُ فِعلٍ طَبيعي على الظُروفِ القُصوى. السَبَبُ لا يَرجِعُ إلى خَصَائِصِ الشَخصِ المَعنِّي، وَلَكِن فِي المَقامِ الأولِ إلى الظُروفِ المَعِيشِّيةِ اللاإنْسَّانِيةِ والعَنِيفَةِ لِهَذا الشخصِ

مَا هيَّ أَعرَاضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ؟

يَتَمَيِزُ اِضطِرَابُ مَا بَعدَ الصَدمَةِ بِأَعرَاضٍ مُعَينةَ. إِذَّا اِستَمَرَتِ الأَعراضُ لِأَكثَرَ مِن شَهرٍ، فيَتِمُ التَشخيصُ بِأَنهُ اضطرابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ.

:مَجموعَاتُ الأَعراضِ الرَئيسِّيةِ الأَربعةِ هيّ

١. إعَادَةُ إِحياءِ الحَدثِ (استعادة أحداث الصدمة): يُعانِي المُصَابونَ غالباً مِن اِنطباعات حية عَنِ الأَحداثِ الصَادمةِ. هَذهِ الاِنطِبَاعَاتُ الحية „تَختَرِقُ“ بشكل غير مرغوب به حَالةَ اليَقظةِ في الوَعِي أَو فِي النومِ

٢. سُلوكُ التَجَنُب (تجنب كل ما يذكر بالصدمة): يُحَاولُ المُصَابونَ بِجهدٍ كَبيرٍ عَدمَ التَفكيرِ في الأَحدَاثِ الصَادِمَةِ أو تَجنُبِ الأَشخَاصِ والأَمَاكِنِ والمَواقِفِ المُتَعلِقَةِ بِهَذِهِ الأَحداثِ

٣. الأَعراضُ المُستَمِرةِ متزايدة الاِستِثَارةِ: تَظهرُ رُدودَ اَفعالٍ جسديةٍ على الصدمةِ. تَتَجَلى هِذهِ الرُدودُ مِن بَينِ أُمورٍ اُخرّى، في حَالةِ تَأَهُبٍ شَدِيدةٍ وَرُدودَ الفِعلِ المُفَاجِئةَ المُفرِطةَ وصُعوبَةَ التَركيزِ ومَشاكلٍ فِي النَومِ

٤. التَغيراتُ الفِكريةُ والمزاجيةُ: يُمكنُ أَن تُغيرَ الصَدمةَ بشكلٍ سَّلبِي تَفكيرَ ومزاجَ المُتَضَرِريِن

كَيفَ يُمكِنُ أَن تَظهرَ أعراضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ؟

بَعدَ فَرارِ عَبدُالله مِن سُورِّيا كَانَ عَليِهِ أَن يَمُرَ بِأَشياءٍ مُرَوعِةٍ بِسَبَبِ الحَربِ ورِحلَةِ اللُّجوءِ إِلى أوروبا. لَقد وَصل أَخيِراً إِلى أَلمانيا، وَلِكنَهُ الآن بِصحةٍ نَفْسِّيةٍ سَيِئةٍ ​​لِلغايةِ

:يَقولُ عَبدُالله

 لا أَعرفُ مَا يَحدُثُ لِيَّ الآن. أَنَامُ ​​بِشكلٍ سَّيٍء لِلغَايةِ، وعِندَمَا أَنامُ، أُصَابُ بِكَوابِيسٍ مُرَوِعَةٍ. يَجِبُ عَلِيَّ أَنْ أَستمرَ فِي التَفكيِرِ فِي الأَشيَاءِ الَتي حَدثَت لِي. حَتى أَنَ ذِكرَيَاتِي تَبدو حَقِيقِيةً فِي بعضِ الأَحيَانِ، كَمَا لَو كُنتُ أعيشُ المَوقِفَ مَرةً أُخرَى. أُريِدُ فِعلاً أَن أَترُكَ كُلُ ذَلِكَ وَرَائِي، لَكِنَ الذِكرَيِاتَ تُلاحَقُني وتَعودُ دَائِماً. مُنذُ أَن كُنُت فِي ألمانيا، كنت اُعَاني طَوالَ الوَقتِ مِنَ الخَوفِ. عِندَما أَسمعُ أَصواتاً مُعينةً، أَشعرُ بِالخوفِ عَلى الفَورِ وأُفَضِلُ أَن أَهرُبَ. أَنا أَعلمُ حقاً بِأَنَهُ لا يُمكنُ أَن يَحدُثَ لِي شَيءٌ هٌنَا، لَكِنَ الخَوفَ عِندي لا يَزول. أَشعرُ بِاليأَسِ والوِحدَةِ. مَا خَطبِي؟ هَل سَأُجَنْ؟

مِنَ المُهِمِ أَن نوضِحَ أَنَ عَبدُالله لَيِسَ بِمَجنونَاً. لَقد عَانى مِن أَشياءٍ صَادِمَةٍ. تَتَفَاعَلُ نَفْسِّيَتُه مَع الصَدمَةِ التَي عَانى مِنْهَا وتُظهِرُ أَعراضَ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ المَوصوفَةِ أَعلاه. تُؤَدِي الأَعراضُ إلى مُستَواً عالٍ جداً مِنَ المُعَانَاةِ. يُعاني عَبدُ الله مِن ذِكرَياتٍ حَيةٍ عَن مَاضيهِ. تَكونُ فِي بَعضِ الأَحيانِ شديدةً كَمَا لَو أَنَهُ كَان في هذا الموقفِ مَرةً أُخرى في الوقت نفسِه (إِعادةُ إِحياءِ الحَدَثِ). يُحَاوِلُ بِجُهدٍ كَبيرٍ عَدمَ التَفكِيرِ في التَجَارُبِ الصَادِمَةِ فِي المَاضِي (سُلوكُ التَجَنُبِ). بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلك، يَتَفَاعَلُ جَسَدَهُ أيّضاً مَع الصدمةِ. يُظهِرُ عَبدُ الله تَوتُراً مُتَزَايِداً ويُعَانِي مِن مَشَاكِلٍ فِي النَومِ (الأَعراضُ المُستَمِرةِ متزايدة الاِستِثَارةِ). بِالإضِافَةِ إِلى ذَلك، فَإِنَ مَزاجَ عَبدُ الله آخذَ فِي التَغيّرِ. يَشعُرُ بِاليأَسِ وبالوحدة (التَغيُراتُ الفِكرِيةُ والمَزاجِيةُ

:إِلَيِكُم مَقطع فيديو قَصير باللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَن اللُجوءِ والصَدمةِ

مَاذا أَفعلُ إن كَانت لَدي أَعراضِ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ؟

إِذا كَانت لَديكَ أَعراضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ، فِمِنَ المُهم جِداً طَلبُ الدَعمِ النَفْسِّي المُتَخَصِصِ. أَظهَرتِ الدِراساتُ أَنَ العِلاجَ النَفْسِّي الذي يُرَكِزُ عَلى الصَدَمَاتِ فَعَالٌ لِلغايةِ في سِياقِ اضطراب مَا بَعدَ الصَدمَةِ. في كثيرٍ مِنَ الحَالاتِ، من المُمكنِ مُلاحظةُ تَحسنٍ بَعدَ بِضعِ جَلَسَاتٍ فَقط. فِيّمَا يَلي بَعض المَراكزِ في بَرلين ومُحيطُها المُتَخَصِصَةَ في العلاجِ النَفسِّي للاضِطِرَاباتِ التَابِعَةِ لِلصَدمَةِ في سِياقِ اللُجوءِ والحربِ

جَمعيةُ اكسنيون

مَركزُ أوبر ليبن

المَركزُ الصِحِّي لِلاجِئيِن

بالإضَافَةِ إلى المُسَاعَدِةِ المهنيةِ، مِنَ المُهم جداً أَن تَعتني بِنَفسِك. هُنَا يُمكِنُكَ العُثورَ على فِيديو آخر باللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةَ حَولَ الرِعَايةِ الذَاتِيةِ في سياقِ أَعراضِ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ

اِعتَنوا بِأَنْفُسِكُم! حَتى الاُسبوعِ القَادمِ

الخَوفْ واِضطراب القَلَقْ 



نَجلس معاً في مجموعةٍ لطيفة وإذ بنا نتطرق إلى موضوع الخوف، والذي هو موضوع انساني إلى حد كبير

:جميعنا نستجمع القليل من الشجاعة ونقول

تَقول نور: أخشى الثَعابين، أُريد فقط الهروب، عندما أراها

يَعترف خالد ويَهُز رأَسه مُنزعجاً قَليلاً: أخشى الخلاف مع رب عملي 

غالباً ما كُنتُ قَلِقَة بِشأن مُستقبلي مُنذ أَن كُنت في ألمانيا، تَقول مُنى

يَهمس أحمد وينظر إلينا جميعاً، ونَحْنُ نُومئ: عِندما اسمع صَوتاً قوياً، أَشعرُ بالخَوفْ وابدأُ بالهرب

هل هذه الأمثلة خَوف أم اضطرابُ قَلقٍ بالفعل؟

بَادئ ذي البدء، دعونا نحدد أولاً ما هو الخوف في الواقع: الخوف هو حَالة مِنَ الإثارة في الجسم تَنجُمُ عن ادراكِ مَوقفاً أو شَيئَاً ما (مثل الثُعبان) يُنظر إليهِ على أنهُ تَهديد

الخوف، في اللاتينية „أنغريه“ (وتُترجم: الاختناق، الشَد على الحلق)، يهيئ الجسم للفرار أو في حالات نادرة لمُحاربة التهديد. إن الشعور النموذجي بالخَوف، بالإضافة إلى تسارعِ ضرباتِ القلبْ والتَوتر والتَعَرق كُلُها تَغَيرات جَسَدية تَجعلُنا نَفر أو نَهرُب بشكلٍ أسرع

لماذا يَحتاجُ الشخصُ إذاً إلى شعورِ الخَوف المُزعج؟

غالباً ما يُنظرُ إلى الخوفْ على أنه شعور غير مريح وهذا شيء طبيعي. يُريد الجسم أن يُعطينا إشارة بأنه يَجب علينا طَلب الحِماية. فمن الأفضلِ أيضاً أن نستمع إلى أجسامنا عندما تُرسِلُ لنا إشاراتٍ غير سارة (مثل الجوع والعطش). نحن نملك آلية الأمان هذه مُنذ تَعرُضنا نحن كبشرٍ للعَديدِ من المخاطرِ من الحيوانات والبشر الآخرين (أي في العصر الحجري). الخَوف من الثَعابين يأتي لِكثيرٍ من النْاس من هذا الوقت، على الرُغم من أنهم يَعيشون في مناطق لا يوجد فيها ثَعَابين خَطِرةَ 

في العَالم الغَرّبي، هناك عَددٌ قَليلٌ جداً مِنَ الأخطارِ الحقيقية لمعظم الناس في الحياة اليومية. معظم الناس يَقلَقون بشأن النِزاعات الشَخْصية أو أعباء العمل. „أنا خَائفٌ من الصراعِ مع رب عملي“ هو مثال نموذجي لهذا الخَوف

بالطبع، تَبدو الأمور مُختلفة تماماً عندما يُغادرُ المرء بلداً كانَ عَليه أن يخشى فيه على صِحتهْ أو حتى على حَياتهْ. هذا الخوف لهُ تَأثيرٌ وقائي، ربما في الشَكلِ الذي قَرر المرء فيه الفَرار بالفعل، على الرغم من أنهُ كانَ عليه تَركُ العَائلة والأصدقاء خَلفه

من نَاحيةٍ، يُمكنُ أن يَكونَ الخَوفُ مُفيداً جداً في المَواقفِ التي تَنطَوي على التهديد، ومِن نَاحيةٍ أخرى، يمكن أن يَجعل الخوف المُشكلات اليَومية تَبدو أكبر مما هي عليه بالفعل 

لكن متى يتحدث المرء عن اضطراب القلق؟

يتحدث المرء عن القلق عندما يُعاني الشخص المَعني من الخَوف. في هذهِ الحَالة، لم يَعد الخَوف يُحَقق غَرَضاً وِقائياً، بل يُبعد الشخص عن حَياتِه اليَوميَة. لذا فإنَ حدثاً معيناً (مثل الضَوضاء العالية) يُثير الخَوف وربما ذكريات المواقف التي كانت تَعني فيها الضوضاء العالية خطراً ما

لقد خَزنت نفسيتنا صوتَ الانفجار أو الدَوي في الذاكرةِ على أنه خطير. يَنطبقُ هذا أيضاً على المَواقفِ التي يَكونُ فيها الانفجار أو الدَوي على سَبيل المِثال قادم من العدم. إنه يُشْبهُ إنذارَ الحَريقْ الذي يبدأ في إصدارِ صَفير ليس فقط عند نشوبِ حريق، ولكن أيضاً عند وجود بخار

يَتجنب المُصابون مِنذُ ذَلكَ الحين هذهِ المَواقف المُسببة للخوف أو المشاعر الغير مريحة، مما يُؤَدي إلى تَفاقم الخوف.يَزداد الخوف بشكل كبير، عند تَجنُبنا للمَواقف المُحفزة لهُ

فَهل كلُ شخص يَخاف الثُعبانْ، يُعَاني من اضطراب القَلق!؟

لا، هذا خَوفٌ يُمكن أن يَكون مُفيداً ومُناسباً. مُعظم النَاس لا يُعانون منهُ في الحياةِ اليَومية (إلا إذا كانوا يَعمَلون في حديقةِ للحَيَوان ويَتَعامَلون مع العديدِ من الثَعابين).يُمكنُ للتجاربِ قبل وأثناءَ رحلة اللجوء، وكذلك تَحديات العيش في بلدٍ جَديدٍ بِقَواعدٍ جديدةَ، واللّغة والتَجارب المُجهدة مع العُنصرية أو البيروقراطية، أن تَخلِق مَخاوف

إذن ما الذي يَنبَغي أن أبحثَ عنهُ إذا شعرت أنا نفسي أو شخص عزيز عليَ بالخوف الشديد؟

:الأعراض المهمة التالية التي تُقَيد الحَياة

ـ الأشخاص المُتَضَررون يراودهم القلق الشديد وغالباً ما يكونوا سجناء هذهِ الأفكار

ـ الناس المُتَضَررون يَخَافونَ منَ الخَوف

ـ مُواجهة صُعوبة في النَوم، وآلام في العضلات، وَخز في الصَدر أو فُقدان الشَهية

ـ يَمنع الخوف الناس من القيام بالمهام اليومية مثل العمل أو الهوايات أو العلاقات الاجتماعية أو الشعور بالسعادة

ـ يَنعزل الأشخاص المُتأَثرون كثيراً ويَتَجنَبون المَواقف المُسببة للخَوف

ـ غالباً ما يعلم الأشخاص المُتأثرون أنَ الخوف هو مبالغ فيه وغير منطقي

ـ يُعَاني المُتأثرون بِشَكل كبير من هذهِ القيود

في بعض أشكال اضطراب القلق، والذي يُسَمى باضطراب الهَلَع، يَبدو أن الخَوف يَظهر من العَدَم ودون سابق إنذار.غالباً ما يَجدُ الأشخاص المُتأثرون رد فعل الخوف السريع غير المُتَوقع هذا مزعجاً للغاية وغالباً ما يكونُ لديهم شعور بأنهُ لم يَعُد بإمكانهم التنفس أو أن لَديهم شَيئاً ما ليس على ما يرام في القلب

كيف تُعالج المخاوف؟

غالباً ما يكون من السهلِ التعاملُ مع المخاوف. نقطة الاتصال الأولى هي طبيبُ الأُسرة أو مَركز الاستشارات النفسيةَ والاجتماعيةَ، الذي كما ذكرنا سابقاً، يستهدف أيضاً الأشخاص اللاجئين تحديداً

غالباً ما يكونُ العلاجُ النفسي ضرورياً لعلاج الخوف. مما يتيحُ للشخص النَظر عن كَثب إلى محفزات الخوف والاستراتيجيات لكيفية تقليل الخوف.أحمد قام بالعلاج….ولا يزالُ يَشعرُ بالخوف إذا سَمعَ صوتَ انفجار ولكنهُ الآن يعرف السبب، ويَتقبل الخوف ويمكنه تهدئة نفسه. ثم يواصل عمله. إن الخوف الآن هو مجرد رفيق صغير له

اِكْتِئَابٌ

ربما لقد سمعت بكلمة „اكتئاب“ من قبل، لكنك لا تعرف ما هو بالضبط. ربما قد تعرف أيضاً شخصاً كان مصاباً بالاكتئاب من قبل. غالباً ما نقول „أنا حزين“ أو „أنا مُحبط“، لكن هل هذا يعني أننا مكتئبون؟

لا، كل شخص يشعر بالحزن أو بالإحباط في بعض الأحيان، خاصة عندما نواجه تحدياً صعباً أو خسارةً مؤلمة. إنما الاكتئاب هو مرض يصيب العقل والجسد. على غرار كسر في الساق أو إصابة في الذراع

يتم تشخيص الأمراض من خلال الأعراض، أي الشكاوى الفردية، التي تظهر معاً. في حال كسرٍ في الساق، يكون التشخيص سهلاً في الغالب. نقول إن الساق مكسورة عندما يكون هناك كسر جزئي أو كامل في العظام. في حالة الأمراض النفسية الأمر معقد أكثر بعض الشيء. نظراً لأن كل اكتئاب يجلب معه أعراضاً مختلفة قليلاً، فقد تم الاتفاق على أن بعض الأعراض المعينة يجب أن تكون موجودة لكي نستطيع أن نشخص هذا المرض

قبل كل شيء، يجب أن تكون الشكاوى موجودة لمدة أسبوعين على الأقل في كل يوم تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما يظهر المصابون واحداً أو :أكثر مما يسمى بالأعراض الرئيسية

١) فقدان الاهتمام بالأشياء والهوايات والعمل والناس. بعبارة أخرى، الأشياء التي كان المصابون يهتمون بها مسبقاً تصبح عادية وغير مُهمة في حالة الاكتئاب

٢) يظهر المصابون بالاكتئاب مزاج حزين، يكونوا محبطون وفي حالة الاكتئاب الشديد لا يمكنهم أن يشعروا بالسرور أو السعادة

٣) يفتقرون إلى الدافع للقيام بالأنشطة اليومية أو للهوايات والعمل. في بعض الأحيان يتعين عليهم بذل جهد كبير للنهوض من السرير واتباع روتين يومي منتظم

هناك أيضاً سلسلة أخرى من الأعراض الجانبية التي يمكن أن تظهر:

٤) قلة النوم أو كثرة النوم

٥) شهية أقل أو أكثر

٦) نظرة سلبية للنفس

٧) اليأس من المستقبل / التشاؤم

٨) مشاعر الذنب تجاه الماضي

٩) ألم في الجسم

١٠) أفكار انتحارية

تختلف الشكاوى الفردية ومداها أيضاً اعتماداً على الخلفية الثقافية للشخص المتضرر. نظراً لأن كل اكتئاب يختلف عن الآخر بما أن الناس فرديون جداً، يمكن لبعض الأشخاص إظهار عوارض خفيفة أو شديدة. بعض الناس يمرون بمرحلة اكتئاب واحدة فقط في الحياة، بينما يمر البعض الآخر بمراحل مراراً وتكراراً، أي عندما يكون الاكتئاب مزمن

لماذا يصاب الناس بالاكتئاب؟

تمت مناقشة هذا السؤال كثيراً. يبدو أنه لا يوجد سبب „واحد“ فقط. يتفاعل الجميع بشكل مختلف مع الأحداث في حياتهم. خاصة فيما يتعلق بتجارب اللاجئين وما يسمى بتجارب ما بعد الهجرة، أي التعامل مع التحديات في بلد جديد، يمكن أن يشعر شخص باليأس والآخر يشعر وكأنه يحصل على فرصة جديدة

كيفية تفاعلنا مع تحديات معينة لها تأثير كبير على نفسيتنا، غالباً ما تلعب العوامل البيولوجية والوراثية، بالإضافة إلى التجارب التي مررنا بها كأطفال دوراً مهم أيضاً. لدينا جميعاً سلوكيات نموذجية تعلمناها في وقت مبكر، والتي إما تساعدنا أو لا تساعدنا في المواقف الصعبة

مجدداً، من المهم أن نقول إن الاكتئاب هو مرض. حتى لو كان الكثير من الناس، في ألمانيا أيضاً، ما زالوا يعتقدون أن „الشخص المكتئب هو مجرد كسول أو لا يبذل جهداً كافياً“، فإن الأمر ليس كذلك

إذاً، ما الذي علينا فعله في حالة الاكتئاب؟

عادة لا يمكن التغلب على الاكتئاب بمفردنا، في كثير من الأوقات يتطلب الأمر علاجاً. يمكنك الحصول على المشورة بشأن هذا الأمر في ألمانيا. إما فيما يسمى بمراكز الإرشاد النفسي الاجتماعي، والمتوفرة أيضاً خصيصاً للمهاجرين، أو عند طبيب الأسرة

إذا ظهر بعد ذلك أنك تعاني من الاكتئاب، فهناك متخصصون لعلاجه. يوجد في ألمانيا معالجين وأطباء نفسيون. يعالج الطبيب النفسي الاكتئاب بالأدوية. ومع ذلك، في معظم الحالات، لا يكفي العلاج الدوائي لوحدة. العلاج النفسي مهم وضروري أيضاً. يتم إجراء المحاولة بطريقة سرية للغاية لمعرفة ما تسبب في الاكتئاب وما هي الاستراتيجيات التي يمكن للشخص المصاب استخدامها لتقليل العبء

إذا شعرت أنك مصاب بالاكتئاب بنفسك، فيرجى مناقشة هذا الأمر مع شخص ما، ويفضل أن يكون طبيباً