كَيْفَ تَعَرُّفُ أَنَّ هُنَاكَ شَيْئاً مَا لَيْسَ عَلَى مَا يُرَامُ عَلَى الصَّعِيدِ النَّفْسِيِّ؟

في منشور المدونة الخاص بنا الأول حول الصحة النفسية، حاولنا تعريف ماهية الصحة النفسية وأعطينا نظرة صغيرة على ما يعنيه عندما يختل توازن صحتنا النفسية

ولكن كيف يمكنك أن تعرف بالضبط أن هناك شيئاً ما غير صحيح؟

دعونا نتخيل السيناريو التالي من – لنقل من أحمد ….. لقد جاء إلى ألمانيا لأنه أراد أن يشعر بالأمان وأن يعيش حياة أفضل. هو يحب ألمانيا كثيراً لو لم يكن الجو بارداً في الشتاء. قد تعلم الألمانية، وبمساعدة أخصائي اجتماعي، شق طريقه عبر „غابة السلطات البيروقراطية“ حتى سُمح له بالفعل بأن يعمل الآن. هو تقني أسنان وقد قدم طلب عمل إلى العديد من الشركات. حتى الآن لم يتلق سوى الرفض. تدريجياً، بدأ أحمد يشعر بعدم الرضا والحزن، كما يفكر: ألست ذكياً بما يكفي؟ لماذا لا أجد وظيفة؟ ونتيجة لذلك، يشاهد الكثير من التليفزيون العربي، وبالكاد يتواصل مع أصدقائه ويقدم عدداً أقل من الطلبات عن ذي قبل. إنه يشعر بالحزن والغضب على نفسه لأنه أضاع وقته

مثال آخر هو حالة ريم. حصلت على وظيفة جديدة كمُعلمة. إنها تحب هذه الوظيفة، لكن الشيء الوحيد الذي تجده صعباً للغاية هو عندما تكون في الاجتماع مع المدرسين الآخرين، فإنها تشعر بالحر الشديد منذ البداية، وتبدأ بالتعرق وتتسارع أفكارها كما لو أنها في سباق. ريم لا تريد التحدث أمام الآخرين، فهي تخاف من ذلك. ماذا لو اخطئت لغوياً؟ ماذا لو ضحك الآخرون عليها؟ لذلك يحدث غالباً أنه قبل دورها مباشرة، تصبح ترغب في الذهاب إلى الحمام بسرعة. هذا التصرف يساعد في الوقت الحالي، ولكن فقط حتى الجلسة التالية

يوضح هذان المثالان أن هناك إشارات وعلامات عندما يكون هناك خطأ ما في أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا (أي نفسيتنا، كما تعلمنا في المرة السابقة).وغالباً ما لا يكون لهذا الأمر علاقة بـ „الجنون“ أو „الضعف“، حتى لو كان الكثيرون لا يزالون يعتقدون ذلك. إنه ليس عاراً أو شيئاً معيباً أيضاً عندما يكون لدينا مشاكل نفسية

يوجد الكثير من علامات التحذير النموذجية التي تشير إلى وجود عِلَّة أو مُشكلة نفسية، على سبيل المثال

١) يبدأ المرء بالابتعاد عن العائلة والأصدقاء لفترة طويلة ويعتقد أنه أفضل عندما يكون بمفرده، عند تواجده في مجموعات يشعر بالوحدة

٢) غالباً ما يشعر المرء بالذنب حيال هذا البعد

٣) يتجنب المرء مواقف أو أشخاصاً أو أماكن معينة لم يتجنبها من قبل

٤) يشعر المرء بمشاعر سلبية مثل الحزن أو الغضب أو الخوف أو العصبية على مدى عدة أسابيع

٥) يلهي المرء نفسه أو يصرف انتباه على مدى فترة طويلة من الوقت مع الإنترنت أو التلفزيون أو الكثير من الرياضة أو الطعام أو الكحول

٦) يصبح أقل تركيزاً أو أكثر حيرة من المعتاد أو يبدأ بنسيان الكثير من الأشياء

٧) ينام المرء لفترة قصيرة جداً أو أطول من المعتاد

٨) يأكل أكثر أو أقل من المعتاد

٩) على مدى فترة طويلة من الزمن، يصبح لديه أحاسيس وأعرض جسدية دون أي تفسير: تعرق، تسارع ضربات القلب، ألم في المعدة أو ألم في الجسم، ثقل كبير على الصدر، تشنج، إلخ

١٠) يلاحظ الآخرون تغيرات سلبية في سلوك المرء

عندما تظهر واحدة أو أكثر من هذه العلامات التحذيرية، فغالباً ما يكون السبب هو موقف أو وضع صعب جداً في الحياة (سواء أكان موجود في الماضِ أو لا يزال موجود في الحاضر). ربما هناك شخص ما تريد إخباره عنه، على سبيل المثال صديق أو صديقة. ولكن في ألمانيا، هناك أيضاً إمكانية الذهاب إلى الطبيب ومناقشة هذه العلامات التحذيرية معه. يمكنكما معاً التفكير في كيفية استعادة صحتك النفسية وتحسينها وما هي الاستراتيجيات اللازمة التي ستكون مفيدة لذلك. مجدداً، يعاني كل شخص من مشاكل نفسية من وقت لآخر. هذا ليس مُعيباً على الإطلاق. لكن من المهم معرفة كيفية التعامل مع مشاكلنا النفسية وكيفية الحصول على المساعدة. يمكنك أيضاً العثور على أماكن أخرى حيث يتم تقديم المساعدة في هذه الصفحة

…اعتني بنفسك وحتى المرة القادمة…

مَا هِي الصِّحَّةُ الْعَقْلِيَّةُ / النَّفْسِيَّةُ عُمُوماً؟

غالباً، نلاحظ وجود الصحة ونشعر بأهميتها عندما تغيب لبعض الوقت وذلك وفقاً للمثل الشعبي: „الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى“. أي شخص ذهب إلى الطبيب وكان مصاباً بنزلة برد أو سعال لديه فكرة جيدة عن معنى الصحة الجسدية. تعني الصحة بشكل عام أنه يمكننا تحريك أجزاء كبيرة من أجسامنا وأن أعضائنا وحواسنا تعمل بشكل صحيح. هذا يُمكننا بالقيام في أمور عديدة كالعمل والالتقاء بالعائلة والأصدقاء

لكن ما هي الصحة العقلية / النفسية إذن؟

نستخدم المصطلح „عقلي أو نفسي“ عندما نتحدث عن قدراتنا العقلية أو الفكرية، أي عندما نتحدث عن نَّفْسِنا أو نَّفْسِيتنا. بالنسبة للكثيرين، هذا موضوع لا يتحدث عنه المرء مع الجميع. لكن يمكننا أن نؤكد لكم أن كل شخص لديه نفسية. نحن نحتاجها حتى نتمكن من العيش في العالم، فهذا يشمل قدرتنا على التعلم (على سبيل المثال لغة جديدة أو قيادة السيارة)، للتواصل مع الآخرين، لفهم القواعد (مثل قواعد المرور) أو للتفكير في شيء ما في الماضِ أو التخطيط للمستقبل. بالطبع، تلعب المشاعر والعواطف مثل الفرح أو الحزن أو الخوف أو الرضا دوراً مهماً أيضاً. بواسطتهم يمكننا معرفة ما إذا كنا نشعر بخير (مثلاً، الفرح أو الرضا) أو بالسوء (مثلاً، الحزن). قدراتنا العقلية أو النفسية هي أذن أدوات تمكننا من التعامل مع محيطنا وفهمه بشكل أفضل، سواء كان ذلك في الحياة الخاصة أو في العمل

في يومنا هذا، يُعتقد أن الصحة العقلية هي جزء من الصحة البدنية لأن الجسم والعقل مترابطان مع بعضهما البعض. نحن أصحاء عقلياً أو نفسياً عندما نتمكن من استخدام قدراتنا النفسية في العمل أو في الحياة الخاصة بطريقة نشعر فيها عموماً بالارتياح والرضا. بالطبع لا يمكن للمرء أن يشعر بالرضا كل يوم، لكن عندما يجيب المرء على السؤال: ما مدى رضاك ​​العام الماضِ؟ بـ „كان كل شيء على ما يرام“ أو „في الواقع جيد جداً“ وكان يعني ذلك حقاً، يمكن اعتبار صحته العقلية على أنها جيدة

في الحياة، هناك دائماً تحديات وأحداث نشعر بعدها بسوء (مثل خسارة الوظيفة أو الجدال مع شخص ما). الأحداث الأكثر خطورة (مثل فقدان أحد أفراد الأسرة أو شخص مهم أو الاضطرار إلى مغادرة الوطن) يمكن أن تتسبب في معاناة صحتنا بشكل كبير. بالنسبة لبعض الناس، تؤدي مثل هذه الأحداث إلى مرض في النفس، مثلاً كالإنفلونزا. في هذه الحالة نطلق على هذا المرض اسم „اضطراب عقلي أو نفسي“. كل شخص يشعر بالحزن أو القلق أو الخمول في بعض الأحيان، ولكن إذا استمرت هذه الحالة لفترة زمنية طويلة، فإن الصحة العقلية تضعف مع الوقت. ومثلما يشعر الجسم بالضعف عندما يكون المرء مصاباً بالإنفلونزا حيث لا يمكنه المشي أو العمل بشكل جيد، مع مرض نفسي، فإن قدرتنا على التفكير أو الشعور أو التواصل مع الآخرين تصبح محدودة جزئياً. لسوء الحظ، هذا طبيعي تماماً

إذاً، يمكن القول بأن صحتنا العقلية „تتأرجح“ مثل صحتنا البدنية. في بعض الأحيان نشعر بالحيوية والسعادة، وأحياناً نحزن أو نجد صعوبة في التركيز. إذا كنا نشعر بالضعف والإرهاق النفسي لفترة طويلة، فعلينا – تماماً كما هو الحال مع المرض الجسدي، أن نذهب إلى الطبيب ونرى ما هي الاحتمالات المتاحة لاستعادة صحتنا العقلية وتحسينها. لأن هناك الكثير من الخيارات

…سنكتب عن ذلك في المرة القادمة…