الإدمَاْن

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

كيف يمكننا الكتابة عن موضوع لا يجب أن يُوجد في العديد من المجتمعات؟ كيف نَكتب عن أمر حرام؟

لم نكن الوحيدين الذين سألنا أنفسنا ذلك، لا، كذلك فارس. يعيش فارس في ألمانيا منذ عدة سنوات. الآن، ليس لديه مشكلة في التحدث عن الأمر بشكل علني، لكن حتى قبل ذلك كان يحب أن يدخن السجائر. في هذه الأثناء، أصبح يدخن سجائر ماريجوانا وعندما يكون حزيناً جداً، يشرب أحياناً عدة كؤوس نبيذ

إنه يشعر بالذنب حيال ذلك فهو يعلم أنه لا ينبغي عليه فعل هذا. ولكن عندما يشعر بآثار الماريجوانا وكؤوس النبيذ الأولى، يمكنه الاسترخاء بشكل أفضل. من ثم يتلاشى الضغط الذي يشعر به في العمل، والعداء في القرية الريفية التي يعيش بها والأفكار المظلمة التي تلاحقه من ماضيه

فارس يدرك ببطء أن الأمر برمته قد بدأ بأن يصبح خطيراً. فقد أصبح يعاني من صعوبة في النهوض من الفراش في الصباح، ومن الصداع ويشعر بالفتور. بالإضافة إلى ذلك، فإن كأسين النبيذ في المساء بالكاد يكفيان، حيث يصبحون ببطء ثلاثة أو أربعة كؤوس. بالطبع، يبقي فارس الأمر سراً عن أصدقائه وعائلته. ومع ذلك، يعتقد أنه يجب عليه التحدث إلى شخص ما حول هذا الموضوع

فارس ليس وحيداً. في ألمانيا، صرح حوالي ٥-٣٪ من الناس أنهم يعتمدون على المسكنات، و ٥-٣٪ على الكحول وحوالي ١٠٪ على النيكوتين. في أمريكا، يكافح حوالي ٢٠ مليون شخص الإدمان. إن تعاطي المخدرات والإدمان موجودان أيضاً في المجتمعات الإسلامية. عادة ما تكون أقل من المجتمعات الأخرى، لكنها موجودة. أفاد ٤٤٪ من جميع الطلاب في لبنان أنهم يستهلكون كميات كبيرة من الكحول. حالياً، لا توجد أرقام موثوقة للاجئين في ألمانيا. ومع ذلك، فمن المفترض أن تجارب اللجوء وإمكانية الحصول على المخدرات على طريق اللجوء أو في ألمانيا تمثل خطراً متزايداً للإدمان

لكن ما هو الإدمان على أي حال؟

هل أي تعاطي للكحول أو للسجائر خطير بشكل مباشر؟ يجب أن نميز هنا بين ما، على سبيل المثال، ما هو محظورٌ دينياً (الكحول من المحرمات) وما هو موصى به من وجهة نظر طبية

يحدد المركز الألماني لأسئلة الإدمان حداً متوسطاً يومياً يبلغ ١٢ جراماً من الكحول الصافية للنساء و٢٤ جراماً من الكحول الصافية للرجال. هذا يعادل حوالي نصف لتر من البيرة للرجال وزجاجة بيرة صغيرة للنساء. أي شيء يتجاوز ذلك نصنفه كالاستخدام الضار أو المسيء ويمكن أن يؤثر على الجسم والدماغ

الأطفال والشباب معرضون للخطر بشكل خاص لأن نموهم البدني، وقبل كل شيء، النمو العقلي لا يكون قد اكتمل حتى يبلغوا من العمر ٢٥ عاماً. قبل ذلك، يكون للأدوية تأثير قوي بشكل خاص على النمو العقلي

يشعر فارس بشعور غريب وهو يقرأ هذا. فهو يشرب أكثر بكثير من ذلك. لكن هل من يشرب أكثر بشكل تلقائي يعد مدمن؟

ليس بالضرورة! هناك فرق كبير بين قبول استهلاك أنواع المخدرات المختلفة „بشكل طوعي“ من أجل شعور النشوة العالي، أو الاستمتاع بالمجالس أو الاسترخاء السريع وبالتالي الإضرار بصحتنا، أو الاعتماد عليها كثيراً بحيث „يتعين علينا“ القيام بذلك عملياً. أي أننا لا نستطيع العمل في حياتنا اليومية من دون هذه المخدرات

ليس من قبيل المصادفة أن معظم حالات الإدمان في الولايات المتحدة تأتي من مسكنات الآلام. في علم النفس، يُنظر إلى الإدمان على أنه محاولة للتخفيف أو التستر أو نسيان الألم (النفسي) الناجم عن الوحدة، أو الإعاقة الجسدية، أو التجارب الصادمة، أو غيرها من التجارب المؤلمة

لذا فإن الإدمان هو في الغالب علامة على المعاناة وليس ضعف الشخصية. الأشخاص المتضررون ليسوا أشراراً لكنهم يعانون من تجاربهم المؤلمة وقد لا يعرفون طرقاً أخرى للتخفيف منها

يتميز الإدمان بحقيقة أن هناك شهوة قوية للمخدر المعني، وأن الأفكار تدور حوله كثيراً وأيضاً أنه مع الوقت على المرء أن يزيد من كمية أو جرعة المخدر لكي يحقق نفس التأثير المهدئ الذي كان يحصل عليه من كمية أقل قبل ذلك. وهنا تكمن خطورة الإدمان، حيث يتحول كوب واحد من النبيذ سريعاً إلى ثلاثة. نحتاج دائماً إلى المزيد لتخفيف الألم

قد أخبر فارس صديقه الألماني عن سره. بعد ذلك أحاله صديقه مباشرة إلى الطبيب العام الذي أرسله بدوره إلى أحد مراكز استشارات الإدمان العديدة في ألمانيا، حيث يعمل أيضاً موظف تركي. إنه يفهم معضلة فارس بشكل جيد. إذا أخبر عائلته، فإنه يخشى أن يُنظر إليه على أنه مسلم سيء. إذا استمر في إخفاء إدمانه، فإنه يشعر بالوحدة. ما يساعده هو أن يرى أن الألم يأتي من تلك الوحدة، من المعاملة السيئة وتجارب التمييز العنصري وعدم توفر فرص للتفريغ عن ضغطه النفسي. في المركز، يلتقي فارس بمسلمين آخرين يعانون من الإدمان. سياد هو أفغاني كان يدخن الكثير من الافيون في وطنه القديم، أو الأستاذ الجامعي المغربي الذي لم يستطع التوقف عن تناول المسكنات في الولايات المتحدة بعد تعرضه لحادث، أو الأم التركية التي تناولت الكثير من الايبوبروفين لعلاج آلام الظهر التي تعاني منها فأصبحت لديها مشاكل معدة خطيرة بسبب الدواء. من غير الجيد التعامل مع الإدمان لوحدك

كما أن فارس يفهم الآن أن الأمر لا يتعلق فقط بالضرورة بالمخدر المعين. أي شيء يخفف الألم يمكن أن يؤدي إلى الإدمان. الكثير من الحلوى والتسوق وألعاب الفيديو وحتى الأشياء الصحية مثل ممارسة الرياضة إذا كنت تفعل ذلك بشكل زائد. لذلك فمن الصحيح أن أي شيء يحفز نظام المكافآت لدينا في الدماغ يُمكن أن يصبح إدماناً

لقد تعلم فارس الآن طرقاً أخرى للتعامل مع الضغط النفسي. يذهب للتنزه كثيراً ويلتقي بالأصدقاء والعائلة. حتى أنه أصبح يدافع عن نفسه قليلاً ضد رب عمله. كل هذا جيدٌ بالنسبة له

ومع كل هذا، فإنه يشعر أحياناً بالرغبة الشديدة، ذلك الشعور الغريب في معدته، لتدخين سيجارة الماريجوانا. هذا الشعور سوف يرافقه، في البداية كان يستسلم في كثير من الأحيان ويشعر بالسوء. لكنه يعرف اليوم أن الانتكاسات هي جزء من عملية التخلص من الإدمان. وفي هذه اللحظات اكتشف أيضاً الصلاة من أجل نفسه فهي تساعده خلال أصعب اللحظات. لا تنسوا أن هناك المزيد لتختبروه عندما يكون لديكم عقل صافٍ

Schreibe einen Kommentar

Deine E-Mail-Adresse wird nicht veröffentlicht. Erforderliche Felder sind mit * markiert

Captcha
Refresh
Hilfe
Hinweis / Hint
Das Captcha kann Kleinbuchstaben, Ziffern und die Sonderzeichzeichen »?!#%&« enthalten.
The captcha could contain lower case, numeric characters and special characters as »!#%&«.