الحُزنْ – الجِزءُ الأَول

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

إذا أَخبركَ أَحَدُهم أَنَ الروحَ تَفنى مَع الجَسد وإِنَ مَن مَاتَ لَن يَعودَ أَبداً، فَقُل لَهُ: الزَهرةُ تَهلَك، ولَكنَ البِذرَة تَبقى وتَكمنُ أَمامَنا، في ظُروفٍ غَامضةٍ مِثلَ خُلودِ الحياة

 جبران خليل جبران

فُقدَانُ شِيء مِثلَ المَنزلِ أَو تَركُ شَيء مِثلَ العَائلةِ والأَصدقاءِ أَو الاِنفِصالُ عَن أَحدِ أَفرادِ الأُسرةِ بِسَبَبِ المَوت يؤَدي إلى شُعورٍ الجَمِيعُ يَعرِفهُ: الحُزن. إِنَهُ ذَلكَ الشُعورِ العَالمَي لِدَرجةِ أَن الجَميعَ يَختَبِرونُه تَقريباً بَعد الفُقدانِ أَو المَوتِ أو المَرضِ. الحُزن هو رَدةُ فِعلٍ بَشريةٍ طَبيعيةٍ ويَأخُذ أَشكالاً مُختَلفةً. بَعضُ النَاسِ يَبكونَ كَثيراً، والبَعضُ الآخرُ يَكونُ غَاضِباً، وآخَرونَ يَعزِلونَ أَنفُسِهم

هُنَاكَ العَديدُ مِنَ النَظرياتِ النَفسِّيةِ حَولَ الحُزن. حَتى الآن، لا يَوجدُ سِوى تَخمِيناتٌ تَقريبِيةٌ لِكَيفِيةِ مَسارِ عَمَليِةِ الحُزن. نَموذجٌ مَتعارفٌ عَليهِ هو نَموذجُ وَالدن، الذي يَفتَرضُ بأَنَهُ يَجبُ التَعامُلُ مَع أَربعِ مَهامٍ في الحزنِ

تَقبلُ الخَسارةِ عَلى أَنَها حَقيقة

لا نُريدُ الاِعتِرافَ بِالخَسارةِ فِي البدايةِ. وحَتى بَعدَ أَسابيعٍ، نَأمُلُ بِأَن يَكونَ الأَمرُ مُختَلِفاً، أَو أَنَنا كُنَا فقط نَحلم أَو أَنَ الشَخصَ العَزيزَ عَلى قُلوبِنا قَد يَعود. ومَع ذَلكَ، خُطوةٍ بِخُطوةَ، يُمكنُنا مُحاولةُ رؤيةُ الخَسارةِ عَلى أَنَها حَقيقةٌ واقعةٌ. يُمكنُ تَحقيقُ ذَلكَ مِن خِلالِ طُقوسِ الحِدادِ مِثلَ زِيارةِ المُتَوفَى أَو تَدويِنِ الأَفكارِ والمَشَاعِرِ حَولَ الخَسَّارَةِ

مُعَالَجةُ الأَلمِ 

يُمكنُ أَن يَكونَ لِأَلَمِ عَملِيةِ الحُزن جَوانباً عَديدة وأَن تَكونَ مَصحوبَةً بِمشاعرٍ مُختَلِفَةٍ. يُمكنُ أَن يَحدثَ الغَضب واليَأس والحُزن والشُعورِ بِالذنبِ والعَارِ والوِحدَةِ والاِمتِنَانِ أَو الحُبِ، ولَكن يُمكنُ أَن يَحدثَ أَيضاً الفَراغُ والعَجزُ. كُلُ هَذهِ المَشاعرِ طَبيعية. غَالباً مَا تَكونُ هُناكَ أَيضاً أَعراضٌ جَسديةٌ مِثلَ فُقدَانِ الشَهية أَو أَلمٍ في الصدر أَو الحَوض أو اِضطِرَابَاتٍ في النومِ. تَخَتلِفُ شِدةُ الأَلمِ بِشكلٍ كَبيرٍ مِن شَخصٍ لِآخَرٍ

التَكيُّفُ مَع عَالمٍ خالٍ مِنَ المَفقودِ

بِسببِ شخص متوفٍ، أو بلد مهجور، أو الصِحةٍ، تُصبِحُ بَعضَ الأَشيَّاءِ غَير مُمكِنَةً مُؤَقتاً أَو على الِإطلاقِ. قَد تَحتَاجُ إلى تَعلُمِ مَهاراتٍ جَدِيدَةٍ (مُثلُ اللُّغةَ) أَو أَخذِ دَورٍ جَديدٍ في الحياة (عَلى سَبيلِ المِثَالِ أَنْ تُصبِحَ أَرمَل/أَرمَلةَ). قَد يَكونُ ذَلِكَ مُرِهقاً، ولَكِنْهُ قَد يوفرُ أَيضاً فُرَصاً جَديدةً لِلحياةِ. رُبَمْا يَجرءُ المَرءُ فَجأةً عَلى اِكتِسَابِ مَهارَاتٍ جَدِيدَةٍ تَماماً؟

المُحَافَظةُ الدَائمةُ على المَفقودِ أَثناءَ الاِنطِلاقِ إلى حَياةٍ جَديدةٍ

إنَها مُهمةٌ مُزدَوَجةٌ. كَيفَ يُمكِنُنَا المحافظة على مَا فَقدنَاهُ وفي نَفسِ الوقتِ الاِنطِلاقِ إلى ضِفَفٍ جَدِيدَةٍ في الحَياةِ؟

إِذا اِضطُرِرنَا إلى مُغَادَرةِ بَلدٍ مَا أَو تَوفي شَخصٌ عَزيزٌ عَلينا، فَقدَ يَعِيشُ كِلاهُما فِي ذَاكِرَتِنَا. يُمكنُ أَن تَكونَ أَفكاركَ وخُبراتِك المُشتركة كَما في شِعرِ جُبران „بُذوراً“ نَأخُذُهَا مَعنا فِي حَياتِنَا الجَديدة وبالتالي نُعطي الخَسارةَ مَكانَاً في هذا أيضاً. لا توجَدُ قَاعِدةٌ عَامةَ: يَشعرُ البَعض بِالاقِترابِ مِنَ المُتَوفى فِي المَقبرةِ، والبَعضُ الآخر يَطبخُ طعاماً يُذَكِرهُم بِالمَنزِلِ أَو الوالدين، والبَعضُ الآخرُ يَنظرُ إلى الصور أو يُفكر فَقط في شَوارِعِ الطُفولَةِ

القُبول

في مَرحلةٍ مَا مِن عَمليةِ الحُزن نَأمَلُ أَن نَتَقبَل بأَنَنا فَقدنا شَيئاً أو شخصاً مُهمِاً. هذا لا يَعني أَنَنا لَم نَعُد حَزينين لِلغايةِ. تَبقى بَعضُ الخَسائرَ مَعَنا مَدى الحياة. لا بَأس بِذلكَ أَيضاً! القبولُ يَعني فَقط أَنَنا نُحاوِلُ العودةَ إلى الحَياةِ حَتى مَع الخَسارةِ. نَضعُ خُطَطاً جَديدةَ ونَهتمُ بِمُستَقبلِنَا مَرةَ أُخرى. يُمكنُ أَن تَزورنا مَراحِلُ الغَضبِ أَو اليَأسِ أَو التَفاوضِ مِرَاراً وتِكراراً، ولَكن بِمرورِ الوَقت تُؤثر عَلينا بِشكلٍ أَقل

هُنَاكَ العَديدُ مِن نَظَرياتِ الحُزنِ الأُخرى بِتَوَجُهاتٍ مُختَلِفةٍ وَلا يُمكن لأيًّ مِنها تَغطيةُ جَميعَ جَوانِبِ الحُزن

مَا تَشتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَظَرِياتِ والنَماذِجِ حَولَ مَوضوعِ الحُزن هو الرِسَّالَةُ المؤلِمَةُ التَاليةَ: في مَرحَلةٍ مَا يَجبُ عَليِنا أَن نَترك، وأَن نَتَقَبَلَ هَذهِ الخَسارةَ، وأَن نَحتفَظَ بِالشَخصِ أَو مَا هو مُهمٌ بِالنِسبَةِ لَنْا في قُلوبِنَا لِكي نَستَمرَ في الحياة. وبِقَدرِ مَا قد يَبدو ذَلكَ مُزعِج، بِقدِرِ مَا نُحَاوِلُ تَجنُبَهُ، فَإِنَنا نَعلَمُ بِشكلٍ حَدسِّي وعَميقٍ في قُلوبِنا بِأَنَهُ يَنبَغي عَليِنا القِيامُ بِذَلِك

اِعتَنوا بِأنَفسِكَم ونَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم

مَا عَلاقَةُ النِظَام ِالصِحِّي الأَلمَانِي بِالشَّرقِ؟

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

رُبَمَا أَنت متَفَاجِئٌ قَلِيلاً مِنْ هَذا العُنوان. مَا عَلاقَةُ النِظَامِ الصِحِّي الأَلمَانِي بِالتَارِيخِ الشَّرقِي؟ قَد تَعتَقدُ أَنَهُ لا يُوجدُ عَلَاقَةً بَينَهُما عِندَما تَكونُ عِندَ الطَبِيبِ أَو عِندَما تقرأ هُنا مَقالاتً حَولَ الصِحَةِ النَفسِّيةِ

اِسمحْ لِي أَن أخُذَكَ فِي رِحلَةٍٍ صَغِيرَةٍ عَبرَ الزَمنِ نَعودُ مِن خِلالِها إِلى العُصورِ الوسِطَى. أوروبا تَعِيشُ عَصراً مُظلِماً، قد تَم نِسيانُ المَعرفةِ الطِبيةِ القَديِمةِ بِالطبِ. في هَذا الوَقت سَادتْ أَفكارٌ خُرافِيةَ ولَيَست مُفيدةَ بِشكلٍ خَاص حَولَ جِسمِ الإنسانِ والأمراض. الظروف الصحية سيئة للغاية ويوجد الكثيرُ مِنَ المُعَانَاةِ

فِي الشَرقِ يَبدِو الأَمرُ مُختَلِفاً تَمَاماً. هُنَاكَ مُستَشفَيَاتٌ فِي بَغدادِ لَدَيِها مُكيفات تَبريد بِفَضلِ أَنظمةِ الآبارِ البَارِدةِ المُتَطَوِرةَ. كَمَا تُوجدُ عِيَادَاتٌ ثَابِتةٌ ومُتَنَقِلةَ

فِي قُرطُبةَ، اسبَانِيا اليَّوم، تَتِمُ مُعَامَلةُ النِسَاءِ والرِجَالِ بِمُسَاوَاةٍ تَامةٍ، وكَذَلِكَ الأَغنِيَاءُ والفُقَرَاءُ. لِكُلِ فَردٍ الحَقُ في العِلاجِ الدَقيق. هُناكَ أَطباءٌ وصَيَّادِلةَ وطَاقمُ مُستَشَفى. كَيفَ يُمكِنُ لِذَلِكِ أَن يَحدُثَ؟

تَمَ ضَمانُ هَذهِ المُطالَبةِ مِن خِلالِ تَدريبٍ مُرخصٍ. سُمِحَ لِلأَطِبَاءِ الشَبابِ بِمُرَافَقَةِ الزُمَلاءِ الأَكبرَ سِنَّاً في العِيَادَةِ ومُنَاقَشةِ حَالاتِ المَرضَى. ثُمَ تَمَ اِختِبارهم حَولَ هَذا المَوضوع. فِي النِهايَةِ حَصَلِوا عَلى شَهادةٍ رَسمِيةٍ تَسمحُ لَهمُ بِمُمَارَسَةِ فَنِ العِلاجِ (الطِبْ). إن صح القول لا يَزالُ مَا يُسَمى بِالمُحتَسِب (الحِسبَة) مَوجوداً إلى يَومِنَا هَذا. إِنَهُ تَرخيصٌ لِمُمَارَسَةِ الطِبِ الذي لا يزالُ يمكّن للأطباءِ والمُعَالِجيِن النَفْسيِّين والصَيادِلةِ مِن مُمَارَسَتِه وبِالتَالي حِمَايَةُ هَذهِ المِهنِ مِنَ الدَجَاليِّن

العُلَمَاءُ المُهِمونَ فِي هَذا المَجالِ هُم الرَازيّ (٨٥٤-٩٢٥ م) واِبن سينا (٩٨٠-١٠٣٧ م) بِالإِضَافةِ إلى التَخَصُصَاتِ الطِبِيَةِ الكلاسيكيةِ مِثلَ طِبُ العُيون أَو عِلمُ الأَدويةِ، تَنَاوَلَ العَالِمَانُ أَيضاً عِلمُ النَفْس والعِلاجُ النَفْسِّي. قَبلَ سَنواتٍ عَدِيدَةٍ مِن ظُهورِ التَحلِيلِ النَفْسِّي الأوروبي، تَم اِستِكشَافُ الرَوابِطَ بَينَ العَقلِ والجَسَّدِ بِشَكلٍ مَنهجِي وامكَانِياتُ الشَفاء

وبِهذهِ الطَريقةِ، أَنشَأوا رَوَابِطاً بَين المَشاعرِ وَوظَائِفِ القَلب، وتَمَكَنوا مِن تَحدِيدِ الصورِ السَّريِريةَ المُختَلِفة (على غِرَارِ الاِكتِئَابِ واِضْطِرَابِ القَلق) واِستِخدَامِ طُرقِ الشِفاءِ الَتي لا تَزالُ مُستَخدمةً حَتى اليَّوم. بِمَا فِي ذَلِكَ المُواجَهةُ المُباشَرة مَع المَواقِفِ المُسَبِبةِ لِلخَوفِ، والتَنشيطُ السُّلوكِي، وكَذَلِكَ العَلاجُ بِالموسِيقَى والأَنشِطة المُشتَركة لِتَحسِين الحَالةِ المَزاجِيةِ

العِلَاجُ النَفْسِّي لَيسَ مِن اِخَتراعِ الغَربِ. بِالتَأكيدِ كَانَت هُناكَ مَعَالِمٌ أُخرى في المَنطقَةِ الشَّرقِيةِ قَبلَ الثَورةِ العِلمية (في فكرِ وتَعَالِيمِ الهِنْدوسِية أو البوذِيةَ قَبل ٢٠٠٠ سَنةَ)، لَكِنَ النَهجَ العِلمي المَنهَجي والرِعَايةَ الطِبيَّة الشَامِلةَ هي إِرثٌ رَائعٌ

إذا كنتم تَتَساءَلون أحياناً عَن سَبَبِ كَونِ الرِعَايةِ الطِبيةِ في أوروبا عَلى مَا هي عَليه، فَسَتَجِدون الجَوابَ عَن ذَلكَ فِي تَاريخِ الحَضَارةِ الشَرقِيةِ واِنْتِشَارِهُا إلى إسبانيا، حَيثُ بَدأ تَبادُلُ المَعرِفَةِ مَع مَناطِقٍ أُخرَى مِن أوروبا

وَرُبَمَا يقَلِلُ هَذا أيضاً خَوفَ التَعامُلِ مَع الصِّحَةِ العَقلِيةِ والجَسَّديِةَ لِلفَردِ، بِمَا أَنَ المَرء لَديهِ سِلسِةٌ مِنَ الأَسَلافِ الَذِينَ مَهَدوا الطَرِيقَ لهُ لِدرَاسةِ الصِحةِ العَقلِيةِ ومُعَالَجَتِها بِشَكلٍ مَنْهَجِي

:المَصَادِرُ

H.N. Wasty, „Muslim Contribution to Medicine“, M. Sirajuddin and Sons, Publishers, Lahore, 1962, pp. 5-16.

https://de.wikipedia.org/wiki/Medizin_in_der_mittelalterlichen_islamischen_Welt

http://bufib.de/islamische-medizin-1000-jahre-ihrer-zeit-voraus/