مَا هو العِلَاجُ النَفْسيِّ؟ الجِزءُ الأول

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

عَليّ ليِّسَ مُتَأكِداً. لَمْ يَشعرَ بِأَنَهُ عَلى مَا يُرام مُنْذُ بِضعَةِ أَسابيعٍ حَتى الآنْ، فَهوَ مُتعَبٌ وغَيِّرُ مُتَحمسٌ ومعَ هَذا بِالكادِ يَستَطيعُ أَنْ يَنامَ ليِّلاً. قَد قامَ بزيَارةِ طَبِيبِتهِ العَامة الَذي نَصَحَتهُ بِمُرَاجَعةِ مُعالجةٍ نَفْسِّية. قَالتْ: „اِمرأةَ وَدودةَ لِلغايِّةِ“. لَكنَ عَلي لَا يَعرفُ حَقاً مَا هو العِلاجُ النَفْسي. لَديهِ أَفكارٌ فِي رَأسهِ. إنه يخشى أن يُجبر على الإفصاحِ عن أسرارِ نَفسيته بِشكلٍ كامل. إِنَهُ يَخشى أَنْ يَكونَ شَخصاً مُختَلِفاً بَعدَ ذَلكَ أَو أَنَهُ سَيتعاطى الكَثيرَ مِنَ الأَدويِّةَ. عَلاوةَ عَلى ذَلِك، لَا يَكادُ يَتخيلُ أَنَ هَذهِ المرأةُ يُمكنُهَا فَهمهُ. فَهي لَمْ تَختَبِرَ مَا اختَبرَهُ بِنَفْسِّهِ

كَثيرٌ مِنَ النْاسِ مِثلُ عَلِّي. لَيِّسَ فَقط الأَشخاص مِنْ ذَويِّ أُصولٍ عَرَبيَّة، وَلَكِنْ الأَلمان أَيِّضاً يُمكِنْهُم فِي كَثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَخيُلَ القَليِلِ مِن العِلاجِ النَفْسيِّ

لِهَذا السَّبَبْ نُريدُ أَنْ نُحاولَ هُنَا وَصفَ مَا يَفعَلُهُ المُعَالِجونَ النَفْسِّيون. العِلاجُ النَفْسيِّ يَّعنِي „عِلاجُ الروحِ“ ولِذَلِكَ فَهوَ وَسيلةُ شِفاءٍ لِلروحِ المُصابَةِ. تَماماً كَمَا تُعالَجُ سَاقاً مُصابَةً عِنْدَ الطَبيبِ أَو سنِاً مَريضةً عِندَ طَبيبِ الأَسنَانِ، كَذلِكَ يَتمُ عِلاجُ الجُروحِ فِي الروحِ أَو النَفسْ فِي العِلاَجِ النَفْسيِّ. بِالنِسبَةِ لِمُعظَمِ النَاسِ، تَظهَرُ الجُروحُ فِي النَفسِ كَأَعراضٍ. وتَشمَلُ هَذهِ، عَلى سَبيِّلِ المِثَالِ، المَزاجُ المُكتَئبُ المُستمرُ، والتَوتُرُ، والقَليِلُ مِنَ الشعورِ بالفَرحِ، والخَوفُ الشَّديِّدُ أَو الغَضب، والكَوابيِّسُ أَو قلةُ النَومِ أَو حتى كَثرَّةُ النَومِ. ومَع ذَلِك، يُمكنُ أَنْ تَحدُثَ أيِّضاً أَعراضٌ جَسَديِّةٌ مِثلُ فُقدَانِ الشهيةِ وآلاَمٌ فِي المَعِدَةِ أَو الصُدَاع. تَظهَرُ الأَعراضُ أيِّضاً فِي النِزاعاتِ المُستَمرةِ مَع الأشخاصِ أَو الاِنْسِحَابِ مِنَ العائلَةِ والأَصدقَاءِ. يُمكنُ أَنْ تُشيرَ هَذهِ الأَعراضُ إِلى أَنَ الروحَ بِحاجَةٍ إِلى العِلاجِ

لَكنْ كَيِّفَ يُعالج المَرءُ الروحَ؟ مَاذا يَحدُثُ إذاً في العِلَاجِ النَفْسي؟ 

هُناكَ طُرقٌ مُختلفةٌ لِلعلاجِ، تَماماً كَمَا تُوجدُ عِلاجَاتٌ مُختَلِفَةٌ لِلأَمراضِ الجَسديِّةَ. ومَع ذَلك، تَهدفُ جَميعُ الأَساليبُ إِلى تَحديدِ سَبَبِ الأَعراضِ وإِيجَادِ طُرقٍ لِلتَعامُلِ مَعهَا. فَي أَفضَلِ الأَحوالِ، تَتمُ مُعالجةُ هَذهِ الأعراض أَو الشكاوى بِطرِّيقَةٍ تُخفف من الضَائقة الناجمةُ عن هذهِ الأعراض

يَستطيعُ المَرء أن يَتَخيِّلَ العَلاجَ النَفسِّي عَلى أَنهُ رِحلةٌ جَماعيةٌ. المَريضُـ/ـة يَكون المُسافِر والمُعالجُـ/ـة يَكون المُرافِق. تُحاوِلاَنِ مَعاً مَعرِفَةَ ووصفِ حَالةَ المَريض الآن، أَيّ الظُروفُ المُهمةُ فِي حَياةِ المَريِّضِـ/ـة حَالياً. ثُم تُحاوِلا كِلاكُما مَعاً اِكتِشَافِ سَبَبِ كَوّن السَفر شَاقاً جِداً أَو صَعباً (أَي المَشاكلُ والاضطراباتُ النفسية التي تنشأ) وأخيراً تَبحثانِ معاً عن طرق جديدة للمكان الذي يجب أن تذهب إليه الرحلة وكيفية الوصول إلى هناك

فِي بِدايِّةِ كُلِ عِلاج، سَتَتَعَرَفانِ أَولاً عَلى بَعضِكُمَا البَعضْ. لِأَنَ لِكُلِ مَريِّضٍـ/ـةٍ الحَقُ فِي اِختِيَارِ المُعالجِـ/ـةِ بِحريةٍ تامَّة. لِمِثلِ هَذهِ الرِّحلَة تَحتَاجُ إِلى عَلاقةٍ جَديِّرةٍ بِالثِّقةِ بَينَ الجَانِبَينِ. حَيث يَكمُنُ فِي هَذا أَهميِّةٌ كبيرةٌ. وَرُبَما تَعرفُ بأَنَ: الطَبيبُ التقليدي يَأُخذُ وَقتاً قَصيراً جِداً مِنْ أَجلِكَ، وَلا يَسألُ حَقاً عَمَّا تُريدُهُ وعندما تَخرجُ منَ العيادةِ تَشعرُ وكَأنَكَ لا تُرى بِشكلٍ صَحيحٍ. ولَكنَ هُنَاكَ مُتَسعٌ كَبيرٌ لَكَ فِي العِلَاجِ النَفْسِّي. وهَذا مُهمٌ جِداً. يُحدَدُ المَريِضُ مَا يَقولهُ، عِندما يُسردُ عما يشغَلهُ، وإِلى أَيِّنَ يَجبُ أَنْ تَذهبَ الرِّحلَة وبَأيِّ سُرعَةٍ سَتَمْضِي. لِأَنَ شِفَاءَ الرَوحِ يَستَغرِقُ وَقتاً!

بِمناسبةِ الحديثِ عن السردِ والوقت. يَتمُ التحدث كَثيراً فِي مُعظمِ أَشكَالِ العِلَاجِ. خَاصةً فِي البِدَايةِ، يُريدُ المُعالجُـ/ـةُ التَعرُّفَ عَلى المَريضِ وأَنْ يَسألَ المَريض عَن كُلِ شَيء: العَملْ والأصدقاءْ والأُسرَّة والهِوايَّاتْ وما المهم بِالنِسبَةِ لَكَ وَما الَذي تَجدهُ صَعباً وكَيِّفَ نَشأَتْ. يُخبرُ المَريضُ إذاً مِنْ حَياتِهِ. يَنطبَقُ عَلى مَا يَلي: يَجبُ أَلا يُخبرَ المُعالجَ أَحداً بِمَا قَالهُ المَريِّضُ. لِذَا يُمكِنُكَ التَحدُثَ بِحُريِّةٍ أَكثرَ عَنِ المَوضوعَاتِ غَيرِ السَّارَّةِ. فِي السَاعاتِ الأولى، إِذَا جَازَ التَعبير، يَتمُ النَظرُ إِلى الخَريِّطةِ معاً

بِالإِضافَةِ إِلى أَنَ المَرءَ يَلتَقي بِالمُعالجِ بِانتِظَامٍ، عَادةً مَرةً وَاحِدَةً فِي الأُسبوعِ. فِي ألَمانيا، يُسمحُ فَقط بِعلاجِ المَرضى الَذيِّنَ يُعانونَ مِن مَرضٍ نفسي مِثلُ الاِكتِئابِ أَو اِضطِرَابِ القَلقِ أَو اِضطِرَابِ الحزنِ المُستمر. وهَذا يَعني أَنَهُ بَعدَ ثَلاثِ أَو أَربَع اِجتِمَاعَاتٍ يَتمُ فِيِّهَا مُنَاقَشةُ الظُروفِ المَعيِّشيةِ والأَعراضِ، يَتمُ إِجرَاءُ مَا يُسَّمْى بِالتَشخيصِ. هَذا يُشبِهُ عِندما يُشخصُ الطَبيبُ العام الأِنفلونزا أَو التواَءِ الكَاحِل. هَذا يَّعنِي أَيضاً أَنْ إِصاباتِ الروحِ تُعتَبرُ مَرضاً طَبيعياً تَماماً

يَقومُ المُعالجُـ/ـة بَعدَ ذَلِكَ بِتَقديِّمِ طَلبٍ (أَي، ليسَ عليكَ القيامُ بذلكَ بنفسك). يُقررُ هو/ هي عَددَ سَاعَاتِ العَلاجِ المَنطِقيَةِ. هُناكَ عِلاجَاتٌ قَصيِّرةٌ تَتَراوَحُ مِنْ ١٢ إلى ٢٤ سَاعةِ وَعِلاجَاتٌ طَويِّلَةٌ لِمُدَةِ ٦٠ سَاعةِ أو أكثر. عَادَةً مَا تَدفَعُ شَرِكَةُ التَأميِّنِ الصِحِّي هَذِهِ التَكاليِّف، ولِهَذا السَبَبْ لا يَجبُ دَفعُ تَكاليِّفِ العِلاجِ إلا مِنْ قِبَلِ مُعالِجيِّن مِنَ القِطَاعِ الخَاص.

بَالفعلِ لَقدْ تَحدثَ عَلي كَثيِّراً فِي السَاعَاتِ القَليِّلةِ الأولى وسَألتهُ المُعالجُة كَثيراً. كَانَ ذَلِكَ غَريباً بَعضَ الشَّيءِ فِي البِدايةِ، لَكنْهُ شَعرَ بِتَحسُنٍ عَنْدَمَا بَدأَ بِإِخبَارِ المَزيدِ والمَزيدِ عَن تَجارُبِهِ الصَعبةِ مُنذُ وصولِهِ إِلى أَلمانيا. شَعرَ بِأنَهُ يُفهَم. لَكنْ عِنْدَمَا سَأَلَتهُ المُعالجة عنْ الأَحداثِ فِي وَطنْهِ، شَعرَ بِالحُزنِ وَلَمْ يَستَطِعْ التَحَدُثَ عن ذلك. أَخبر مُعالجتهُ التي كانت متفهمة للغاية وقالت بِأَنَهُ يَجبُ عَليه فَقط أَن يَقولَ مَا يُريد أَو ما يَستطيعُ أَنْ يَقول. كَانَ ذَلِكَ مَصدرَ اِرتِيَاحٍ كَبيرٍ لِعَليِّ. أَدرَكَ مَدى حُزنِهِ لِفُقدَانِ وَطَنِهِ. قَالت مُعالِجَتُهُ أَنَهُ يُعانِي مِن الاِكتِئَابِ، مُثلُ حَوالي ١٠٪ مِنْ جَميعِ النَاسِ فِي أَلمانيا. إِنَهُ مُتَحَمِسٌ لِرؤيَةِ كَيفَ سَتَسِيِّرُ الأُمورُ وسَيخبرنا بِالمَزيِّدِ فِي الأَسَابِيِّعِ القَلِيلَةِ القَادِمةِ….

إِلى اللِّقاءِ القَادِمِ، أَعِزَائي

تَجرُبَتِي مَع العِلاجِ النَفْسِّي

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

جِئتُ إِلى أَلمانيا فِي عَامِ ٢٠١٥. رُبَما اِلتَقَيِّنا عَلى طَريقِ اللُّجوءِ، لَقدْ كَانَ طَريقاً طَويّلاً، ومَع ذَلكْ فَإنَ الأَملَ فِي المُستَقبَلِ الجَديدِ قَد رَافَقَنا وشَجَعنا على الاِستمرارِ فِي المُضيِّ قُدُماً وعَدمِ الاستسلامِ. حَيثُ ان أَحلامُنَا تَنتَظِرُنا، وصولُنَا هُناكَ يَعني نِهايةُ المُعَانَاةِ

أَشعرُ وكَأنَني كُنتُ مُخطِئاً، لا تَزالُ المُعاناةُ مَوجودة. ظَنَنتُ أَنْهُ بِمُجَرَدِ وصولِي إِلى هُنَا، سَأجِدُ سَلامي. لَم يَعُد عَليَّ المَشيَ لِأَيامٍ مُتَتالِيةَّ أَو قَضاءُ اللَّيلَ خَارِجاً فِي العَراءِ، نَعَمْ وَجدْتُ سَلامي عَلى المُستَوى الجَسَديّ. وهَذا أَمرٌ جَيدٌ جِداً، ولَكنَ التَفكِيرَ المُبَالَغ بِهِ، ومَخاوفِي وقَلَقِي، وَمَا إِلى ذَلِكْ، الَتي يَبدو أَنْها لَا تُرِيدُ الاِنْفِصَالَ عَنْيِّ، لَا تَزالُ تُرافِقُني هُنَا أَيِّضاً. أَظلُ أَتَساءلُ مَا الَذي يَحدُثُ مَعيِّ، أَنا بِأَمانٍ هُنَا! 

أَوَّدُ أَنْ أَعتَرِفَ لَكُم بِشيء، فِي سُوريا كُنْتُ أَشعرُ بِالخَوفِ دَائِماً عِنْدَمَا كَانَتْ تَأتي طَائِرةٌ مُقَاتِلَةٌ لِزِيَارَتَنا. وأَعتَقِدُ بِأنَهُ خَوفٌ مُبَررٌ. أَما أَنْ أَشعرَ بِالخَوفِ هُنَا حَيثُ لَا وجوّدَ لِلحَربِ، عِنْدَمَا أَرى طَائرةً حَربيةً أَو أَسمعَ الاَلعَابَ النَاريَّة عَلى سَبيلِ المِثالِ باِحتِفَالاَتِ رَأسِ السَّنَة فَهذا خَوفٌ غَيرُ مبررٍ بِكُلِ تَأكِيدْ

يَجبُ أَنْ أَفعلَ شَيئاً، لَطالَما فَكرتُ بِذَلِك. لَم أَسمحَ بِحُدوثِ أَيِّ شَيءٍ لِيِّ أَو لِجَسَديِّ، ولِهَذا السَبَبْ بِالتَحديدِ غَادَرتُ بَلَدي، ولَكنْ لِمَاذَا لَا أَفعَلُ أَيَّ شَيءٍ مِن أَجلِ روحِّي وسَّلَامِيَّ النَفْسِّي؟

قَررَتُ طَلبَ المُسَاعَدة. أُرِيدُ الذَهابَ إلى مُعالجٍ أَو مُعَالِجَةٍ نَفْسيِّةَ. فِي المُحاوَلَةِ الأولى لِلحُصولِ عَلى مَوعدٍ، شَعرتُ بِالإحباطْ. لِأَنْهُ كَانَ عَليَّ الاِنْتِظَارُ لِمُدةٍ طَويِّلَةٍ

لَا أَستَطِيعُ تَغييرَ شَيءٍ، دَعونَا فَقَطْ نَتَخَطى وَقتَ الاِنْتِظَارِ أَو رُبَما أَيِّضاً الجَلسةَ الأولى مَع المُعَالجِ النَفْسِّي، لِأَنهُ لَيِسَ لَديِّ شَيءٌ جَديدٌ لِأُخبِرُكُم بِهِ عَنْ هَذَا اللِقَاء، لَقدْ أَخْبَرتُهُ بِنَفسِ الشِّيِء الَذي أَخبَرتُكُم بِهِ، اِجَابتُهُ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ حُبوبٌ لِلنَوم ومَوعِدٌ ثَاني

أَعتَقدُ بِأَنْكُم قَد تُرَاهِنونَ عَلى عَدمِ ذَهابِي لِلمَوعِدِ الثَاني، أَوَّدُ أَنْ أُهَنِئكُم عَلى هَذا، تَوَّقُعٌ صَحيِحْ! ومَع ذَلِكْ وَاصَلْتُ البَحثْ. يَا لِلأسفْ، لَمْ أَنْجَح فِي المُحَاوَلَةِ الثَانِيَّة أَيِّضَاً. شَعَرتُ أَنَ المُعَالِجةَ النَفْسيِّةَ لَا تَستَطِيعُ فَهمي. أَو عَلى الأَقل كَانَ هَذا اِنْطِبَاعيِّ الخَاص. هَاتَانِ المُحَاوَلَتَانِ جَعلَتَاني أَشعرُ بِالإحبَاطِ واليِّأس وأَكدَّتَا اَحْكَاميِّ المُسّبَقَة حَوّلَ المُعَالَجَةٍ النَفْسيِّةَ. وَهَذا يَعني العَوّدةَ إِلى نُقطَةِ البِدايَّة دُونَ نَتَائِج

هَذا مَا اِعتَقَدْتُهُ. لَكنْ يَبدو أَنَ التَفكيرَ الزَائِد لَهُ أَيِّضَاً فَوائِدَهُ الإيِّجَابِيِّة. كُنْتُ أَتَساءلُ مَا هو سَبَبُ فَشلِ مُحَاولاتي

أَلا يُمكِنُ أَن يَكونَ ذَلِك بِسَبَبِ وُجودِ مَشاكلٍ لُغَويةٍ؟ أَعنِّي، الأَلمَانيِّةَ لَيّسَت لُغَتي الأُم. رُبَما لَم اتَمَكنَ مِن شَرحِ مُشكِلَتي بِشَكلٍ جَيّدٍ بِسَبَبِ اللُّغةَ أَو أَنَهُم لَمْ يَّفهَمونَي لِأَسبَابٍ ثَقَافِيةٍ

هَلْ يُمكِنُ أَنْ يَكونَ السببُ أَيضاً عَدم الصَبر؟ لَا يَنْبَغِي لِلمَرء أَنْ يَتَوقعْ بِأَنْ يَّكونَ قَادِرَاً عَلى الشُعورِ بِالتَحسُن أَو التَغَييُرات بَعدَ المَوعِدِ الأَول. حَالَتِي، علَى سَبِيلِ المِثَالِ، تَطوَرَت أَو تَدَهوَرَت عَلى مَرِ السِنِين، لِذَلِك لَا يُمكنُ، بِطَبِيعَة الحَالِ، أَنْ أَشعرَ بِالتَحسنِ فِي جَلسَةٍ وَاحِدَةٍ.

أَو رُبَما بِبسَاطَةِ، هَؤلَاءُ المُعَالِجون لَيَّسوا جَيِّديِن بِمَا فيهِ الكِفَاية؟ 

لِذَا قَررَتُ أَنْ أَستَمرَ بِالبَحثْ، وَقدْ كَان ذَلكَ قَراراً جَيداً. أَنا الآن اتَلَقى العِلاج مِن مُعالجٍ نَفْسِّي، أَذهبُ إِلَى العِلاجِ بِانتِظَام مُنذُ فَترةٍ مِنَ الزَمن وأَنا أُلاحِظُ بِبُطٍء أَن حَالَتِي تَتَحَسن، حَتى لَو كَانَ هَذا التَحسُن بِطيءٍ فِي البِداية، فَإِنَها خُطوةٌ فِي الاِتجاهِ الصَحيح.

هَلْ كَانَ ذَلِك مُجردُ حَظْ؟ لا أَعتَقِدُ ذَلِكْ، وَلَكنْ أَوَّدُ أَنْ أَقولَ أَنْ هَذا الأمر هو عِبارَة عَنْ كَسبِ تَجاربٍ حَيَّاتِيَّة. وهَذا يَشملُ التَجارُبَ السيئةَ والجَيَّدةَ عَلى حَدٍ سَّواء. التَناقُضُ فِي حَدِ ذَاتِهِ لَيِّسَ سَيئاً عَلى الإطِلاق، لِأَنْهُ يُعطِيِّنَا الفُرصَة أَولاً لِتَجرُبَةِ أَشياءٍ مُختَلِفَةٍ ومِنْ ثُمَ مُقَارَنَتِهَا مَعْ بَعضِهَا البَعضْ

عَلى سَبِيلِ المِثَالِ النَكَهاتِ المُختَلِفَةِ، عَنْ طَريِّقِ تَجرُبَتِنَا لِلطَعمِ المُرْ يُمكِنُنَا تَمْييزُ الطَعْمِ الحِلّو والعَكسْ صَحيح.

لذلك، أَوَّدُ أَنْ أُشَجِعَكُم عَلى عَدمِ الاِستِسلامِ عِنْدَ التَجرُبَةِ المَريِّرَةِ، بَلْ الاِستمرار والِاستِمتَاعِ بِالتَجرُبَةِ الجَميِلةَ 

مُمَزَقٌ بَيِّنَ أَشباحِ المَاضِي وأَحلَامِ المُستَقبلِ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

قِصَّتي مُشَابِهةٌ لِقِصَصِ الكَثِيرِ مِنْكُم. وَمَع ذَلِكْ فَهي فَريِّدةٌ مِنْ نَوعِهَا

حَتى سِنْ الثالِثةَ عَشر، كَانَتْ حَيَّاتِي طَبِيعِيَةً جداً. كَان شَاغلي الأكبر، مُثلُ العَديِّدِ مِنَ الأَطفالِ الآخريِّن فِي مِثلِ سِنِّي، هو مَا كُنْتُ سَأكلُهُ عَلى العَشاءِ، ومَا سَأرتَديِّهِ فيِ اليَّومِ التَالي، ومَا إذَّا كانَ المُعلمُ سَيُّعطِيِّنَا وَاجِباتٌ مَنْزِلِيِّةٌ صَعبة

في عَامِ ٢٠١١ اِنْدَلَعتْ الحَربُ في بَلديِّ الأُم – سوريَّا – وَهَكَذاْ غَيَّرتْ الطَلقةَ الأَولى مَع القُنبُلَةِ الأولى كُلَ مَا كانَ مَعروفاً ومَألوفاً بِالنْسبَةِ ليّ. مُنْذُ ذَلِكْ الحيِّن، والنْاسُ يأمَلونَ وَيُصلَونَ كلَ يَّومٍ أَنْ يَّنْتَهي هَذا الكابوسُ قَريِّباً، وَمَعْ ذَلِكْ فَهو يُرَافِقُنا حَتى يَّومِنَا هَذا

يُعتَبرُ التَعذيِّبُ والجَوعُ والخَوفُ والحَزنُ والغَضبُ والهُروبُ والمَوتُ بِالنِسبَةِ لِلكَثيريِّن عَبارةٌ عن سِلسِلَةً مِنَ الكَلِمَاتِ السَّلبيةِ. لَكنْ بِالنِسبَةِ لِلكَثيريِّن الآخَريِّن هُم الوَاقِع. إذَّا سَّألتُموني مَا الَذِي يوحِدُنَا بِشَكلٍ أَساسيِّ كلاجِئيِّن ومَا الَذِي يُمَيِّزُنَا عَنْ غَيِّر اللَاجِئيِّن، فَإِنَ جَوابي هو: الحَظُ السَّيئ!

حَظٌ سيئ لِأنَنا ولِدنا فِي مَكانٍ آخرْ. حَسناً، لَمْ يُحالِفُنَا الحَظْ واضّطُرِرنَا إِلى الفَرارِ. بِغَضِ النَظرِ عَنِ المَكانِ الَذِي وَصَلنَا إِليِّهِ في العَالمِ، حَاولنا وما زِلنْا نُحاوِلُ جَميِّعاً بِطُرُقٍ مُختَلِفَةٍ بدءِ حَياةٍ جَدِيدَةٍ. يوجدُ شَيءٌ وَاحد مؤكداً بِالنِسبَةِ لِي. بِغَضِ النَظرِ عَنْ مَدى نَجاحِنَا أَو عَدَمِ نَجاحِنَا فِي البِدايَّةِ الجَديِّدَةِ، لَدينا جَميِّعاً قَاسِمان مُشتَركان: ألا وَهُما زِيارَةُ أَشباحِ المَاضِي وَزِيارَةُ أَحلامِ المُستَقبَل

بِالنِسبَةِ لِلضَيِّفِ الأَول (أَشباح الماضي)، أَطلُبُ مِنْكَم أَلا تَفهَمَونّي بِشَكلٍ خَاطِئ. الأَشباحُ لَيِّسَتْ دَائِماً شِريِّرةَ. البَعضُ دَافئٌ ومُحبٌ ويَضعُ اِبتِسَامَةً صَادِقَةً عَلى وجوهِنَا. هَذهِ الأَشباحُ هِي الذِكرَيَّاتُ العَزيِّزةَ. الأَرواحُ الأخُرى شِريرة وتُسبب حُزناً يسحقُ قلوبنا بِشكلً مُوجع. هَذا الألم لا يُمكن لأي لوحةِ مفاتيحً في العالم أن تَوصِفهُ بشكلٍ مناسبً ولا حتى جزءً منه. الأَمرُ نَفسهُ يَنطَبقُ عَلى الضيِّفِ الثَاني (أَحلامُ المُستَقبَل). يُمكنُ أَنْ يَكونَ الحُلمُ مُرضيِّاً ويَمنَحُنَا الأَمَلَ والقوةَ. لَكِنَ الحُلمَ يُمكنُ أَنْ يَكونَ مُزعِجاً ومُقلِقاً أيِّضاً. يُمكِنُ أَنْ يُفسد علينا اللِّيلة ويَجعَلُنَا مُتعَبيِّنَ فِي اليَومِ التَالِي. وهَكذَّا نَتَأرجَحُ بَيِّنَ الذِكرَيِاتِ والأَحلامِ. يُحاوِلُ البَعضُ عَدمَ السَماحِ لِلضَيِّفِ الأَولِ بِالدُخولِ والتَركيِّزِ عَلى المُستَقبَلِ. قَدْ يَخافُ الآخَرونَ مِنَ المُستَقبَلِ ولِذَلِكْ يُفَضِلونَ التَسَّامُحَ مَع (ورُبَما الاِستِمتاع) بزيِّارَةِ الضَيِّفِ الأَول

حَسنْاً، هَذهِ المُدونةَ موجَهةٌ لِلعربِ. والعَربُ مَشهورونَ جِداً بِكرَمِ ضِيَّافَتِهم. يَنبغي عَليِّنَا، بقَدَرُ الإِمْكَانِ، أَنْ نُرَحِبَ تَرحِيباً حَاراً بِجَميعِ الضُيّوفِ، سوآءاً أَكانْوا جَيِّديِنَ أَم سَيئيِّن، وأَنْ نَقبَلَهُم كَجِزءٍ مِنَّا. بِفَضلِ هَؤلاءِ الضُيوفِ، نَحْنُ الأَشخاصُ الَذِينَ مَا نَحْنُ عَليِّهِم اليَّوم. مِنَ المؤَكدِ أَنَ تَقَبلِ كِلا الضَيِّفيِّنِ لَيِسَ بِالأمرِ السَهلِ. إِنَهُ يُكلِفُنَا الكَثيِّرَ مِنَ الشَجاعَةِ والقوةِ وكَثِيراً مَا يُكلِفُنَا ذلك الكثيرَ مِنَ الدُموعِ. لَكنَنِّي أَقولُ دَائِماً: العَيِّنُ الَتي لَا تَبْكِي لَا تَسّتَطِيعُ الرؤيَّةَ بِوضوحٍ

أَثنَاءَ القِراءةِ، رُبَما لَاحَظْتَم أَنَنِّي غَالِباً مَا أَقوم بِالتَبديِّلِ بَيِّنَ الضَميرين „أَنا ونَحْنُ“ في المُخاطَبةِ. هَذا عَن قَصدْ! لأَنَهُ إِذَّا نَظَرْتَم إلى الجُملَةِ الأولى فِي هَذا المَقال، فَقدْ تُصبِحوا أَكثرَ وَعيِّاً بِمَدَى تَشابُهِ قِصَصِنَا وَلكن أيَضاً بِمَدى تَميزها جَميعاً

أَراكُمْ فِي المَرةِ القَادِمَةِ أيُّهَا الأَعِزَاء

الحُزنْ ـ الجُزءُ الثَالِثْ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

خِلالَ الأُسابيعِ المَاضيّة قد كَتَبنا لَكُم عَنْ مَوضوعِ „الحُزن“. وشَرَحنَا مَا هو الحُزنُ. ثُم ذَكَرنَا بِأَنَ هُنَاكَ اختِلافَاتٌ ثَقافِيةٌ فِي عَمليةِ الحُزنِ. وفِي نِهايةِ المقالِ، عَالجنا الحَاْلةَ التي قَد يُصبِحُ فيها الحُزنُ مُشكلةً. فِي هَذا المَقَالِ سَنُعَالِجُ الحُزنَ وفُقدَانُ الوَطَنِ

فِي مَجرى حَياتِنَا، نَحنُ لا نَبني عَلاقاتٍ مَع أَشخاصٍ آخَريِنَ فَحَسبْ، بَل نَرتَبِطُ أَيضاً مَع الوَطن وكُلُ مَا يَخصهُ. إِذَا اِضطُرِرنَا إِلى مُغادَرَةِ وَطَنِنَا بِسَبَبِ اللُّجوءِ والحَربِ، فَإنَ ذَلِكَ يُؤثر عَلينا بالطَبع. نَفقِدُ جِزءاً أساسياً مِن أَنْفُسِنَا. هَذهِ الخَسارةُ مؤلمةٌ جِداً ونَحزَنُ عَليِها. الحُزنُ الذي نَشعرُ بِهِ في هَذا السياقِ هو رَدُ فِعلٍ طَبيعي لِمُعَالَجَةِ الخَسارة ويُمكِنُ أَنْ يَكونَ لَهُ آثَارٌ عَلى صِحَتِنَا النَفْسِّيةَ

حِكايةُ وَفاء وأَفكَارُهَا تَدُلُنَا عَلى مَعنَى خَسارةِ الوَطنْ

السَّيدةَ وَفاء مِن سوريا. كانَت في سوريا اِمرأَة نَاجِحةَ لِلغايةِ. بِالإِضَافَةِ إِلى وَظِيفَتِهَا كَمُعَلِمةٍ لِلمَرحَلَةِ الاِبتدائيةِ في المَدرسِةً، كَانت أيضاً تَاجرةُ عَقارَاتً مُهِمَةٍ تَحظَى بِالكَثيرِ مِن الاِحتِرَامِ فِي (مِهنَةٍ يُهَيمِنُ عَليِهَا الذُكور). عَمِلَتْ بِجدٍ لِمُدَةِ أَربَعِينَ عَاماً، وحَارَبتْ جَميِعَ أَنواعِ الصورِ النَمَطيَّةَ، وصَنَعتْ اِسماً لِنَفْسِهَا وكَانَتْ نَموذَجاً يُحتَذى بِهِ لِلعَدِيدِ مِنَ النِسَّاءِ. في وقتٍ ما اِندِلعت الحَربِ فِي سوريا. لِحُسنِ الحَظ، لَم تَفقُد أَيّاً مِن أَفرادِ أُسرَتِها أَو أَصدِقَائِها المُقَرَبين. ولكن بِسبَبِ تِلكَ الحَرب، اِختَفى تَدرِيجِياً كُلُ شَيء قَد أَنْجَزَتْهُ بِالكَدِ والتَعَبِ وسَهرِ اللَّيَالي. فِي وَقتٍ مَا حَيثُ أَصبَحَ الوَضعُ خَطيرٌ لِلغايةِ اِضطُرَتْ لِلهَرَبِ إِلى أَلمانيا مَع أولادِها مِنذُ سِتِ سَنَوات. ومُنذُ ذَلِكَ الحين، تَشعرُ وَفاء بِالحُزنِ المُستَمرِ. وتَفتَقِدُ وتَشتَاقُ لِكُلِ شَيء فِي سوريا، تَكونُ مُنشَغِلَةً بتِلكَ المَشاعِرِ بِاستمرَارٍ وتَتَمَنى طَوالَ الوَقت لَمُ شَملِها بِوَطَنِها وأَنْ تَستَعِيدَ كُلَ مَا كَانت تَملكُه مِن قَبل فِي سوريا

حِرمانُ أَحداً مَا مِن الوَطن، الأمَان، الطَعام، الرَوائِح، والشُعور بَأنَهُ جِزءُ مِن مَجموعةٍ    

المَشي فِي شَوارِعِ المَدِينةَ دونَ أَن يَشعرَ المَرء تَماماً كَأنَهُ غَريب، وعِنْدَما يُحَاوِلُ الاِعتقاد بِأَنْهُ لَم يَعُد غَريباً بَعدَ الأنْ، تَعودُ نَظرات أَو تَعليقاتٌ الآخرين لتُذَكِيرهُ بِذَلكَ

أَنْ تَكونَ حَبِيِّسَ ذِكرياتٍ مِنَ المَاضي

أَنْ يَتم تَصغيرُها مِن اِمرأَةِ نَاجِحةٍ لِلغَايَّة ومُستَقِلَة إِلى لَاجِئةً تَرتَدِي الحِجابَ

السَبَبُ فِي حُزنِ السَّيدةِ وَفاء يَعودُ إِلى فُقدَانِهَا لِوَطَنِها. لَقَدْ فَقَدَتْ وَفاء وَطنَها وكُلُ شَيء فِيهِ ومَعهُ أيضَاً مَا يُقدرُ بأَربعينَ عَاماً مِنَ العَملِ والشُّعورِ بَأنَ لَها هَدَفاً فِي هَذهِ الحَياةِ. مَع هَذهِ الخَسارَةِ، فَقدَتْ الشُّعورَ بالاِستِقرَارِ والعَودَةِ إِلى الحَياةِ الطَبيعِيَةِ. فَهِيَ تَشّعُرُ بِأَلمٍ شَدِيدٍ وبِالحُزنِ. الآثَارُ النَفْسِّيةُ تَظهَرُ في الحُزنِ المُستَمرِ والرَّغبةِ الشَديِدةِ والاِنشغالِ بِمَا فَقدَتْهُ. إنَ هَذهِ الأَعراضَ مُستَمرِةٌ مِنْذُ مُدَةٍ طَويلَةٍ ووَفاء تُعَانِي مِنْهَا كَثِيراً    

يُظهِرُ هَذا تَشَّابُهاً قَويّاً مَع تَشخِيصِ „اِضطِرَابُ الحُزنُ المُستَمر“. حَيثُ إَنَ السيِّدةَ وَفاء تُعاني مِنْ إِجهادِ الِانْفِصَالِ. وهَذا يَعني بِأَنَ لَدَيِهَا رَغبةٌ قَويَّةٌ فِي اِستعادةِ مَا فَقَدَتهُ وهي مُنْشَغِلَةٌ بِاستِمرَارٍ بِذَلك. بالإضافةِ إلىَ ذَلك لَديها أعراضً معرفية سلوكية وعاطفية

تَتَجلَّى هَذِهِ الأعراضُ بِشكلٍ خَاصٍ فِي حُزنِهِا. يَكمُنُ الاِختِلَافُ فِي اِضطِرَابِ الحُزنِ المُستَمرِ فِي أَنَ المُسَبب لَيِس مَوتُ أَو اِختِفَاءُ أَحَدِ الأَحبَاءِ، بَلْ فُقدَانُ الوَطنِ/المَنْزلِ المَوصوف. يُمكِنُ أَنْ يَتَسَبَبَ فِقدَانُ الوَطنِ/المَنزلِ أَيضاً فِي رَدِ فِعلِ حُزنٍ قَويِّ ومُستَمر

لا يُمكنُ أَنْ يَكونَ الحُزنُ نَاتِجاً فَقط عَن وفَاةِ أَحدِ الأَحباءِ المُقَرَبينَ، بَلْ يُمكِنُ أَنْ يَكونَ فُقدَانُ الوَطنِ/المَنزلِ أَيّضاً سَبَباً رَئيسياً لِلحُزنِ. رَدُ الفِعلِ هَذا طَبيعِيٌّ ومُبَررٌ. لِأَنَ جِزءاً أَساسِّياً مِنْ أَنْفُسِنَا قَد مَاتْ بِفُقدَانِ مَنْزِلِنَا ونَفسِيُتنَا تُحَاوِلُ مُعَالَجةُ هَذا الفُقدَان. إِحدَى النَتائجِ المُحتَملةِ هِي الأَعرَاضُ المَوصوفَةُ التَي ذُكِرت. يُمكِنُ أَنْ تَحدُثَ بِشَّكلٍ فَرديِّ فِي شِدةٍ مُختَلِفَةٍ وقَدْ تَستَمرُ لِفَتَراتٍ زَمَنِيةٍ مُختَلِفَةٍ أيِّضاً

مِنَ المُهمِ التَأكيدِ عَلى أَنَ خُروجَكَ مِن وَطنِكَ بِسبَبِ الحَربِ واللُّجوءِ، وبالتالي رُبما فُقدانُهُ إِلى الأَبد، هو سَبَبٌ مَشروعٌ لِلشعورِ بِالحُزنِ. الحُزنُ هو خُطوةُ مُعَالَجَةٍ مُهمةٍ فِي التَعامُلِ مَع هَذهِ الخَسارَةِ الفَادِحَةِ. ومَع ذَلِكَ، إِذَا اِستَمرَ حُزنُنَا بِشَّكلٍ مُكثَفٍ ولِفَترَةٍ طَويلَةٍ جِداً ومَنَعْنَا مِنَ التَعامُلِ مَعَ حَياتِنَا اليَوميِّة، فِمَنَ المُهمِ أَنْ نَسْعَى لِلحُصولِ عَلى الدَعمِ

اِعتَنوا بِأَنْفُسِكُم يا أعزاءي نَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم

الحُزنْ ـ الجُزءُ الثَاني

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

فِي الأُسبوعِ المَاضي كَتبنا لَكُم عَن „الحُزنْ“ وكَتبنا عَن أَحدِ النَماذجِ النَفسِّيةِ الَتي تَتَعَامَلُ مَعَ الحُزن، كُلُ النَمَاذِجِ

والنَظرياتِ لَهَا „هَدفٌ نِهائي“. هَذاْ يَكمُنُ في قُبولِ الخَسارةِ المُسَبِبَةِ لِلحُزنِ في مَرحلةٍ مَا والمُضِّي قُدُمَاً مَعَها

اليَومُ سَوفَ نُعالجُ الأسئِلةَ التَالية: هَل يَحزنُ النَاسُ عَلى نَفسِ الشَكلِ فِي كُلِ مَكانٍ فِي العَالم؟ هَل تَستَمرُ عَمَليةُ الحِدَادِ/الحُزنِ فِي كُلِ مَكان بِنَفسِ المُدةِ؟ مَاذا يُمكنُ أَن يَحدُثَ إِذَا كَانت عَمليةُ الحُزنِ أكثَرَ شِدَةً وتَستَغرِقُ وقتَاً أَطولَ بِكَثيرٍ؟

:أَخبَرَنِي صَديقٌ مُقَرَبٌ مؤَخَراً

„الحُزنُ هوَ ظَاهرةٌ عَالمَيةٌ من دونِ نَظريةٌ عَالمَيةَ“

يُوضحُ هَذا الاِقتِبَاس بِأَنَهُ يُمكِنُ بِبساطةٍ الإجَابَةُ على السؤالين الأولين بِالنَفيّ! في عَمليةِ الحزن، حَيثُ تَبدو شِّدَةَ وطَولِ تَجربةِ الحُزن مُختَلِفَةً تَماماً مِن شَخصٍ لِآخَرٍ ومِنْ ثَقَافَةٍ إلى أُخرى. عَلى سَبيلِ المِثَالِ، يَحزنُ سُكانُ نَفَاجْو الأصليّون فِي وِلايَة أُريزونا لِمُدَةِ أَربعةِ أَيامٍ فَقط، بَينَمَا فِي الثَقافَاتِ الغَربيةَ يَبلُغُ مُتَوسِطُ الحِداد حَوالي عَام على سَبيلِ المِثَالِ عِندَ فُقدانُ الزَوج. حتى الطَريقةُ التي يَظهرُ فِيهِا الحُزنُ تَكونُ مُختَلِفةٌ أَيضاً. فِي المُجتَمَعاتِ الغَربيِّة، مِن المُرجَح أَنْ يَتمُ إظهارُ الحُزن في الأُسرة أو بَين الأصدِقاء. وَبِعكسِ ذلك، هُناكَ إِعرابٌ عَلَنيٌ لِلحِدادِ فِي العَديدِ مِنْ دولِ جَنوبِ أوروبَا وشَمالِ إِفريقيا. في بَعضِ الثَقافاتِ يُعتَبَرُ الحِدادُ العَلَنِّي غَير صِحيّ أَو حَتى مَمنوع، وعِندَ البَعضِ الآخرِ لا يَبكونَ فِي وَجهِ الخَسارة، بَل يَبتَسِمون

لِذا فَإنَ المُحَصِلَة النِهائِيةَ هي: الحُزنَ عَملِيةٌ فَرديةٌ بَحتِيه، تَتأثَرُ بِشدةٍ بِالثَقافَةِ

نَأتي الآن إلى آخرِ الأَسئلَةِ المَذكورةِ أَعلاه. مَاذا يُمكنُ أَن يَحدُث إذا بَدأت عَملِيةُ الحُزنِ بأخذِ أشكالٍ مُستَمرةً وَشَديدة؟

يُعتَقَدُ فِي عِلمِ النَفْسِ „الغَربيّ“ أَنه إذا استَمرَ الحُزن بِشَكلٍ حَادٍ على مَدى فَترةٍ طَويلةٍ جداً مِنَ الوقت وكان يُحققُ مَعايير أُخرى فَيُمكِنُ أَن يَحدثَ مَا يُسَمى بِاضطِرَابِ الحُزنِ المُستَمر ـ غَيرُ الاكتئاب

يُعرَّف اِضطِرابُ الحُزنِ المُستَمر بِأَنَهُ مَرضٌ يُؤدي إلى رَدَ فِعلِ حُزنٍ مُستمرٍ ومُتَغلغِلٍ بَعدَ وَفاةِ شَخصٍ قَريبٍ جِداً.

:وَيتَمَيزُ بِمَا يلي

١. إِجهادُ الاِنْفِصَالِ: الذي يصف لَهْفَةً قَويةً أو اِستمرارُ الانشغال (أي التَفكيرُ الدائمْ) بالشخصِ المتوفى

٢. الأَعراضُ المَعرِفيةَ – السِّلوكيَّة – العَاطِفيَّة المَصّحوبةِ بألمٍ عَاطِفي شَديد

عَلى سَبيلِ المِثال الحُزنُ والشُعورُ بِالذَنبِ والغَضبِ والإنكارِ والتَوبيخِ والتَنميلِ العاطفِي

صُعوبةُ تَقبلِ المَوت

الشعورُ بِفُقدَانِ جِزءٍ مِنَ الذَات

عَدمُ القُدرةِ عَلى اِختبارُ المَشاعر الإيَجابيةِ

٣. يَستَمرُ رَدُ فِعلِ الحُزنِ لِفَترَةٍ طَويلَةِ بِشكلٍ غَيرِ مُعتَادٍ بَعدَ الخَسارَةِ (عَلى الأَقل ٦ أَشهرٍ) ويَجبُ أَن يَتجاوزَ بِوضوحٍ المَعايِّيرَ الاجتماعيةِ، الثَقافيةِ أو الدينِيةِ المُتَوقعة لِثَقافَة المَرءِ وسِيَاقِ حَياتِهِ

٤. إعَاقَاتٌ كَبيرةٌ فِي مَجالاتٍ مُهِمَةٍ مِنَ الحَياةِ

إذاً مَاذا الآنْ؟ هَلْ نَحنُ „مُضطرِبين“ فَقطْ لِأَنَنَا نَحزَنْ؟

بِالطَبعِ لا! كَما قُلتُ سَابِقاً، الحُزنُ هو ردةُ فِعلٍ طَبيعيةٍ وآليةِ مُعالجة. يُمْكِنُنا ومِنَ المَسموحِ لَنَا أن نَحزنْ. يُمكِنُنا التَحدثُ مَع أَنْفُسِنَا عَنْ خسارَتِنَا. يُمكِنُنا القِيامُ بِطُقوسٍ وشَعَائرٍ. لَيسَ هُنَاك الصَحيح أو الخَاطئ. يُمكِنُ اِستخدامُ أَيَّ شَيء ليُساعِدُ المَرءُ فِي الحِفَاظِ عَلى الذِكرياتِ الجَميلةِ، وتَقبلِ مَشاعرِ الحُزن، وعِنْدَمَا يَحينُ الوَقت لذَلِكَ، لِلعَودةِ إلى الحَياةِ 

لَكنْ دَعونا نَقول: فِي الوَقتِ الذي يَستَمرُ فيهِ حُزنُنَا بِشدةٍ ولِفَترةٍ طَويلةٍ جِداً ويَمنَعُنَا مِن الاِستمتَاعِ بِالحَياةِ والشُعورِ بِالرَاحَةِ كَمَا كُنا نَشعُرُ قَبلَ الخَسارة، يَنبَغي عَليّنَا التَفكيرَ فِي الحُصولِ عَلى (المَزيدِ من) الدَعم

نَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم!

نَتطلع لِذَلِكَ بِشدةَ!

الحُزنْ – الجِزءُ الأَول

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

إذا أَخبركَ أَحَدُهم أَنَ الروحَ تَفنى مَع الجَسد وإِنَ مَن مَاتَ لَن يَعودَ أَبداً، فَقُل لَهُ: الزَهرةُ تَهلَك، ولَكنَ البِذرَة تَبقى وتَكمنُ أَمامَنا، في ظُروفٍ غَامضةٍ مِثلَ خُلودِ الحياة

 جبران خليل جبران

فُقدَانُ شِيء مِثلَ المَنزلِ أَو تَركُ شَيء مِثلَ العَائلةِ والأَصدقاءِ أَو الاِنفِصالُ عَن أَحدِ أَفرادِ الأُسرةِ بِسَبَبِ المَوت يؤَدي إلى شُعورٍ الجَمِيعُ يَعرِفهُ: الحُزن. إِنَهُ ذَلكَ الشُعورِ العَالمَي لِدَرجةِ أَن الجَميعَ يَختَبِرونُه تَقريباً بَعد الفُقدانِ أَو المَوتِ أو المَرضِ. الحُزن هو رَدةُ فِعلٍ بَشريةٍ طَبيعيةٍ ويَأخُذ أَشكالاً مُختَلفةً. بَعضُ النَاسِ يَبكونَ كَثيراً، والبَعضُ الآخرُ يَكونُ غَاضِباً، وآخَرونَ يَعزِلونَ أَنفُسِهم

هُنَاكَ العَديدُ مِنَ النَظرياتِ النَفسِّيةِ حَولَ الحُزن. حَتى الآن، لا يَوجدُ سِوى تَخمِيناتٌ تَقريبِيةٌ لِكَيفِيةِ مَسارِ عَمَليِةِ الحُزن. نَموذجٌ مَتعارفٌ عَليهِ هو نَموذجُ وَالدن، الذي يَفتَرضُ بأَنَهُ يَجبُ التَعامُلُ مَع أَربعِ مَهامٍ في الحزنِ

تَقبلُ الخَسارةِ عَلى أَنَها حَقيقة

لا نُريدُ الاِعتِرافَ بِالخَسارةِ فِي البدايةِ. وحَتى بَعدَ أَسابيعٍ، نَأمُلُ بِأَن يَكونَ الأَمرُ مُختَلِفاً، أَو أَنَنا كُنَا فقط نَحلم أَو أَنَ الشَخصَ العَزيزَ عَلى قُلوبِنا قَد يَعود. ومَع ذَلكَ، خُطوةٍ بِخُطوةَ، يُمكنُنا مُحاولةُ رؤيةُ الخَسارةِ عَلى أَنَها حَقيقةٌ واقعةٌ. يُمكنُ تَحقيقُ ذَلكَ مِن خِلالِ طُقوسِ الحِدادِ مِثلَ زِيارةِ المُتَوفَى أَو تَدويِنِ الأَفكارِ والمَشَاعِرِ حَولَ الخَسَّارَةِ

مُعَالَجةُ الأَلمِ 

يُمكنُ أَن يَكونَ لِأَلَمِ عَملِيةِ الحُزن جَوانباً عَديدة وأَن تَكونَ مَصحوبَةً بِمشاعرٍ مُختَلِفَةٍ. يُمكنُ أَن يَحدثَ الغَضب واليَأس والحُزن والشُعورِ بِالذنبِ والعَارِ والوِحدَةِ والاِمتِنَانِ أَو الحُبِ، ولَكن يُمكنُ أَن يَحدثَ أَيضاً الفَراغُ والعَجزُ. كُلُ هَذهِ المَشاعرِ طَبيعية. غَالباً مَا تَكونُ هُناكَ أَيضاً أَعراضٌ جَسديةٌ مِثلَ فُقدَانِ الشَهية أَو أَلمٍ في الصدر أَو الحَوض أو اِضطِرَابَاتٍ في النومِ. تَخَتلِفُ شِدةُ الأَلمِ بِشكلٍ كَبيرٍ مِن شَخصٍ لِآخَرٍ

التَكيُّفُ مَع عَالمٍ خالٍ مِنَ المَفقودِ

بِسببِ شخص متوفٍ، أو بلد مهجور، أو الصِحةٍ، تُصبِحُ بَعضَ الأَشيَّاءِ غَير مُمكِنَةً مُؤَقتاً أَو على الِإطلاقِ. قَد تَحتَاجُ إلى تَعلُمِ مَهاراتٍ جَدِيدَةٍ (مُثلُ اللُّغةَ) أَو أَخذِ دَورٍ جَديدٍ في الحياة (عَلى سَبيلِ المِثَالِ أَنْ تُصبِحَ أَرمَل/أَرمَلةَ). قَد يَكونُ ذَلِكَ مُرِهقاً، ولَكِنْهُ قَد يوفرُ أَيضاً فُرَصاً جَديدةً لِلحياةِ. رُبَمْا يَجرءُ المَرءُ فَجأةً عَلى اِكتِسَابِ مَهارَاتٍ جَدِيدَةٍ تَماماً؟

المُحَافَظةُ الدَائمةُ على المَفقودِ أَثناءَ الاِنطِلاقِ إلى حَياةٍ جَديدةٍ

إنَها مُهمةٌ مُزدَوَجةٌ. كَيفَ يُمكِنُنَا المحافظة على مَا فَقدنَاهُ وفي نَفسِ الوقتِ الاِنطِلاقِ إلى ضِفَفٍ جَدِيدَةٍ في الحَياةِ؟

إِذا اِضطُرِرنَا إلى مُغَادَرةِ بَلدٍ مَا أَو تَوفي شَخصٌ عَزيزٌ عَلينا، فَقدَ يَعِيشُ كِلاهُما فِي ذَاكِرَتِنَا. يُمكنُ أَن تَكونَ أَفكاركَ وخُبراتِك المُشتركة كَما في شِعرِ جُبران „بُذوراً“ نَأخُذُهَا مَعنا فِي حَياتِنَا الجَديدة وبالتالي نُعطي الخَسارةَ مَكانَاً في هذا أيضاً. لا توجَدُ قَاعِدةٌ عَامةَ: يَشعرُ البَعض بِالاقِترابِ مِنَ المُتَوفى فِي المَقبرةِ، والبَعضُ الآخر يَطبخُ طعاماً يُذَكِرهُم بِالمَنزِلِ أَو الوالدين، والبَعضُ الآخرُ يَنظرُ إلى الصور أو يُفكر فَقط في شَوارِعِ الطُفولَةِ

القُبول

في مَرحلةٍ مَا مِن عَمليةِ الحُزن نَأمَلُ أَن نَتَقبَل بأَنَنا فَقدنا شَيئاً أو شخصاً مُهمِاً. هذا لا يَعني أَنَنا لَم نَعُد حَزينين لِلغايةِ. تَبقى بَعضُ الخَسائرَ مَعَنا مَدى الحياة. لا بَأس بِذلكَ أَيضاً! القبولُ يَعني فَقط أَنَنا نُحاوِلُ العودةَ إلى الحَياةِ حَتى مَع الخَسارةِ. نَضعُ خُطَطاً جَديدةَ ونَهتمُ بِمُستَقبلِنَا مَرةَ أُخرى. يُمكنُ أَن تَزورنا مَراحِلُ الغَضبِ أَو اليَأسِ أَو التَفاوضِ مِرَاراً وتِكراراً، ولَكن بِمرورِ الوَقت تُؤثر عَلينا بِشكلٍ أَقل

هُنَاكَ العَديدُ مِن نَظَرياتِ الحُزنِ الأُخرى بِتَوَجُهاتٍ مُختَلِفةٍ وَلا يُمكن لأيًّ مِنها تَغطيةُ جَميعَ جَوانِبِ الحُزن

مَا تَشتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَظَرِياتِ والنَماذِجِ حَولَ مَوضوعِ الحُزن هو الرِسَّالَةُ المؤلِمَةُ التَاليةَ: في مَرحَلةٍ مَا يَجبُ عَليِنا أَن نَترك، وأَن نَتَقَبَلَ هَذهِ الخَسارةَ، وأَن نَحتفَظَ بِالشَخصِ أَو مَا هو مُهمٌ بِالنِسبَةِ لَنْا في قُلوبِنَا لِكي نَستَمرَ في الحياة. وبِقَدرِ مَا قد يَبدو ذَلكَ مُزعِج، بِقدِرِ مَا نُحَاوِلُ تَجنُبَهُ، فَإِنَنا نَعلَمُ بِشكلٍ حَدسِّي وعَميقٍ في قُلوبِنا بِأَنَهُ يَنبَغي عَليِنا القِيامُ بِذَلِك

اِعتَنوا بِأنَفسِكَم ونَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم

مَا عَلاقَةُ النِظَام ِالصِحِّي الأَلمَانِي بِالشَّرقِ؟

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

رُبَمَا أَنت متَفَاجِئٌ قَلِيلاً مِنْ هَذا العُنوان. مَا عَلاقَةُ النِظَامِ الصِحِّي الأَلمَانِي بِالتَارِيخِ الشَّرقِي؟ قَد تَعتَقدُ أَنَهُ لا يُوجدُ عَلَاقَةً بَينَهُما عِندَما تَكونُ عِندَ الطَبِيبِ أَو عِندَما تقرأ هُنا مَقالاتً حَولَ الصِحَةِ النَفسِّيةِ

اِسمحْ لِي أَن أخُذَكَ فِي رِحلَةٍٍ صَغِيرَةٍ عَبرَ الزَمنِ نَعودُ مِن خِلالِها إِلى العُصورِ الوسِطَى. أوروبا تَعِيشُ عَصراً مُظلِماً، قد تَم نِسيانُ المَعرفةِ الطِبيةِ القَديِمةِ بِالطبِ. في هَذا الوَقت سَادتْ أَفكارٌ خُرافِيةَ ولَيَست مُفيدةَ بِشكلٍ خَاص حَولَ جِسمِ الإنسانِ والأمراض. الظروف الصحية سيئة للغاية ويوجد الكثيرُ مِنَ المُعَانَاةِ

فِي الشَرقِ يَبدِو الأَمرُ مُختَلِفاً تَمَاماً. هُنَاكَ مُستَشفَيَاتٌ فِي بَغدادِ لَدَيِها مُكيفات تَبريد بِفَضلِ أَنظمةِ الآبارِ البَارِدةِ المُتَطَوِرةَ. كَمَا تُوجدُ عِيَادَاتٌ ثَابِتةٌ ومُتَنَقِلةَ

فِي قُرطُبةَ، اسبَانِيا اليَّوم، تَتِمُ مُعَامَلةُ النِسَاءِ والرِجَالِ بِمُسَاوَاةٍ تَامةٍ، وكَذَلِكَ الأَغنِيَاءُ والفُقَرَاءُ. لِكُلِ فَردٍ الحَقُ في العِلاجِ الدَقيق. هُناكَ أَطباءٌ وصَيَّادِلةَ وطَاقمُ مُستَشَفى. كَيفَ يُمكِنُ لِذَلِكِ أَن يَحدُثَ؟

تَمَ ضَمانُ هَذهِ المُطالَبةِ مِن خِلالِ تَدريبٍ مُرخصٍ. سُمِحَ لِلأَطِبَاءِ الشَبابِ بِمُرَافَقَةِ الزُمَلاءِ الأَكبرَ سِنَّاً في العِيَادَةِ ومُنَاقَشةِ حَالاتِ المَرضَى. ثُمَ تَمَ اِختِبارهم حَولَ هَذا المَوضوع. فِي النِهايَةِ حَصَلِوا عَلى شَهادةٍ رَسمِيةٍ تَسمحُ لَهمُ بِمُمَارَسَةِ فَنِ العِلاجِ (الطِبْ). إن صح القول لا يَزالُ مَا يُسَمى بِالمُحتَسِب (الحِسبَة) مَوجوداً إلى يَومِنَا هَذا. إِنَهُ تَرخيصٌ لِمُمَارَسَةِ الطِبِ الذي لا يزالُ يمكّن للأطباءِ والمُعَالِجيِن النَفْسيِّين والصَيادِلةِ مِن مُمَارَسَتِه وبِالتَالي حِمَايَةُ هَذهِ المِهنِ مِنَ الدَجَاليِّن

العُلَمَاءُ المُهِمونَ فِي هَذا المَجالِ هُم الرَازيّ (٨٥٤-٩٢٥ م) واِبن سينا (٩٨٠-١٠٣٧ م) بِالإِضَافةِ إلى التَخَصُصَاتِ الطِبِيَةِ الكلاسيكيةِ مِثلَ طِبُ العُيون أَو عِلمُ الأَدويةِ، تَنَاوَلَ العَالِمَانُ أَيضاً عِلمُ النَفْس والعِلاجُ النَفْسِّي. قَبلَ سَنواتٍ عَدِيدَةٍ مِن ظُهورِ التَحلِيلِ النَفْسِّي الأوروبي، تَم اِستِكشَافُ الرَوابِطَ بَينَ العَقلِ والجَسَّدِ بِشَكلٍ مَنهجِي وامكَانِياتُ الشَفاء

وبِهذهِ الطَريقةِ، أَنشَأوا رَوَابِطاً بَين المَشاعرِ وَوظَائِفِ القَلب، وتَمَكَنوا مِن تَحدِيدِ الصورِ السَّريِريةَ المُختَلِفة (على غِرَارِ الاِكتِئَابِ واِضْطِرَابِ القَلق) واِستِخدَامِ طُرقِ الشِفاءِ الَتي لا تَزالُ مُستَخدمةً حَتى اليَّوم. بِمَا فِي ذَلِكَ المُواجَهةُ المُباشَرة مَع المَواقِفِ المُسَبِبةِ لِلخَوفِ، والتَنشيطُ السُّلوكِي، وكَذَلِكَ العَلاجُ بِالموسِيقَى والأَنشِطة المُشتَركة لِتَحسِين الحَالةِ المَزاجِيةِ

العِلَاجُ النَفْسِّي لَيسَ مِن اِخَتراعِ الغَربِ. بِالتَأكيدِ كَانَت هُناكَ مَعَالِمٌ أُخرى في المَنطقَةِ الشَّرقِيةِ قَبلَ الثَورةِ العِلمية (في فكرِ وتَعَالِيمِ الهِنْدوسِية أو البوذِيةَ قَبل ٢٠٠٠ سَنةَ)، لَكِنَ النَهجَ العِلمي المَنهَجي والرِعَايةَ الطِبيَّة الشَامِلةَ هي إِرثٌ رَائعٌ

إذا كنتم تَتَساءَلون أحياناً عَن سَبَبِ كَونِ الرِعَايةِ الطِبيةِ في أوروبا عَلى مَا هي عَليه، فَسَتَجِدون الجَوابَ عَن ذَلكَ فِي تَاريخِ الحَضَارةِ الشَرقِيةِ واِنْتِشَارِهُا إلى إسبانيا، حَيثُ بَدأ تَبادُلُ المَعرِفَةِ مَع مَناطِقٍ أُخرَى مِن أوروبا

وَرُبَمَا يقَلِلُ هَذا أيضاً خَوفَ التَعامُلِ مَع الصِّحَةِ العَقلِيةِ والجَسَّديِةَ لِلفَردِ، بِمَا أَنَ المَرء لَديهِ سِلسِةٌ مِنَ الأَسَلافِ الَذِينَ مَهَدوا الطَرِيقَ لهُ لِدرَاسةِ الصِحةِ العَقلِيةِ ومُعَالَجَتِها بِشَكلٍ مَنْهَجِي

:المَصَادِرُ

H.N. Wasty, „Muslim Contribution to Medicine“, M. Sirajuddin and Sons, Publishers, Lahore, 1962, pp. 5-16.

https://de.wikipedia.org/wiki/Medizin_in_der_mittelalterlichen_islamischen_Welt

http://bufib.de/islamische-medizin-1000-jahre-ihrer-zeit-voraus/

اضطرابُ مَا بَعدَ الصَدمَةِ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

تَحَدَثنا الأُسبوعَ المَاضِي عَن مَاهيّةِ الصَدمةِ النَفْسِّيةَ وذَكَرنَا أنَ: الصدمةَ النَفْسِّيةَ هِي جُرح/إصابة لِلنفسيةِ نَاتجةً عَن العُنفِ الخَارجِي. في كثيرٍ مِنَ الحَالاتِ، تَلتَئمُ الجَروحُ النَفسِّيةُ بِمرورِ الوَقتِ وفي حَالاتٍ أُخرَى لا تَلتَئم. إذا لَم تَتمكن الإصابات من الاِلتِئامِ فَيُمكِنُ حُدوثَ مَا يُسَمى بالاضْطِرَابِ التابع للصَدمَةِ. في مقالِ المُدونةِ هَذا سَوفَ نَكتُبُ عَن اِضطِرَابٍ محددٍ تابع لِلصَدمةِ، أَلا وهو اضطرابُ مَا بَعدَ الصَدمة (أو اِضطِرابُ الكَربِ التَالِي لِلصدمةِ

غَالِباً مَا يُعَانِي الأَشخاصُ المُتَضَرِرونَ مِنَ الحَربِ والفَرارِ مِن أَحدَاثٍ صَادِمَةٍ مُتَكَرِرةَ. نتيجةً لِهَذِهِ التَجارُبِ الشَدِيدةِ وَطَويِلةِ الأَمدِ مِن العُنفِ، هُنَاكَ اِحتمال مُتزايد لِلإصابةِ بِاضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ. مِنَ المُهمِ قَولَ أَنَ اِضطِرَابَ مَا بَعدَ الصَدمةِ هو رَدُ فِعلٍ طَبيعي على الظُروفِ القُصوى. السَبَبُ لا يَرجِعُ إلى خَصَائِصِ الشَخصِ المَعنِّي، وَلَكِن فِي المَقامِ الأولِ إلى الظُروفِ المَعِيشِّيةِ اللاإنْسَّانِيةِ والعَنِيفَةِ لِهَذا الشخصِ

مَا هيَّ أَعرَاضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ؟

يَتَمَيِزُ اِضطِرَابُ مَا بَعدَ الصَدمَةِ بِأَعرَاضٍ مُعَينةَ. إِذَّا اِستَمَرَتِ الأَعراضُ لِأَكثَرَ مِن شَهرٍ، فيَتِمُ التَشخيصُ بِأَنهُ اضطرابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ.

:مَجموعَاتُ الأَعراضِ الرَئيسِّيةِ الأَربعةِ هيّ

١. إعَادَةُ إِحياءِ الحَدثِ (استعادة أحداث الصدمة): يُعانِي المُصَابونَ غالباً مِن اِنطباعات حية عَنِ الأَحداثِ الصَادمةِ. هَذهِ الاِنطِبَاعَاتُ الحية „تَختَرِقُ“ بشكل غير مرغوب به حَالةَ اليَقظةِ في الوَعِي أَو فِي النومِ

٢. سُلوكُ التَجَنُب (تجنب كل ما يذكر بالصدمة): يُحَاولُ المُصَابونَ بِجهدٍ كَبيرٍ عَدمَ التَفكيرِ في الأَحدَاثِ الصَادِمَةِ أو تَجنُبِ الأَشخَاصِ والأَمَاكِنِ والمَواقِفِ المُتَعلِقَةِ بِهَذِهِ الأَحداثِ

٣. الأَعراضُ المُستَمِرةِ متزايدة الاِستِثَارةِ: تَظهرُ رُدودَ اَفعالٍ جسديةٍ على الصدمةِ. تَتَجَلى هِذهِ الرُدودُ مِن بَينِ أُمورٍ اُخرّى، في حَالةِ تَأَهُبٍ شَدِيدةٍ وَرُدودَ الفِعلِ المُفَاجِئةَ المُفرِطةَ وصُعوبَةَ التَركيزِ ومَشاكلٍ فِي النَومِ

٤. التَغيراتُ الفِكريةُ والمزاجيةُ: يُمكنُ أَن تُغيرَ الصَدمةَ بشكلٍ سَّلبِي تَفكيرَ ومزاجَ المُتَضَرِريِن

كَيفَ يُمكِنُ أَن تَظهرَ أعراضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ؟

بَعدَ فَرارِ عَبدُالله مِن سُورِّيا كَانَ عَليِهِ أَن يَمُرَ بِأَشياءٍ مُرَوعِةٍ بِسَبَبِ الحَربِ ورِحلَةِ اللُّجوءِ إِلى أوروبا. لَقد وَصل أَخيِراً إِلى أَلمانيا، وَلِكنَهُ الآن بِصحةٍ نَفْسِّيةٍ سَيِئةٍ ​​لِلغايةِ

:يَقولُ عَبدُالله

 لا أَعرفُ مَا يَحدُثُ لِيَّ الآن. أَنَامُ ​​بِشكلٍ سَّيٍء لِلغَايةِ، وعِندَمَا أَنامُ، أُصَابُ بِكَوابِيسٍ مُرَوِعَةٍ. يَجِبُ عَلِيَّ أَنْ أَستمرَ فِي التَفكيِرِ فِي الأَشيَاءِ الَتي حَدثَت لِي. حَتى أَنَ ذِكرَيَاتِي تَبدو حَقِيقِيةً فِي بعضِ الأَحيَانِ، كَمَا لَو كُنتُ أعيشُ المَوقِفَ مَرةً أُخرَى. أُريِدُ فِعلاً أَن أَترُكَ كُلُ ذَلِكَ وَرَائِي، لَكِنَ الذِكرَيِاتَ تُلاحَقُني وتَعودُ دَائِماً. مُنذُ أَن كُنُت فِي ألمانيا، كنت اُعَاني طَوالَ الوَقتِ مِنَ الخَوفِ. عِندَما أَسمعُ أَصواتاً مُعينةً، أَشعرُ بِالخوفِ عَلى الفَورِ وأُفَضِلُ أَن أَهرُبَ. أَنا أَعلمُ حقاً بِأَنَهُ لا يُمكنُ أَن يَحدُثَ لِي شَيءٌ هٌنَا، لَكِنَ الخَوفَ عِندي لا يَزول. أَشعرُ بِاليأَسِ والوِحدَةِ. مَا خَطبِي؟ هَل سَأُجَنْ؟

مِنَ المُهِمِ أَن نوضِحَ أَنَ عَبدُالله لَيِسَ بِمَجنونَاً. لَقد عَانى مِن أَشياءٍ صَادِمَةٍ. تَتَفَاعَلُ نَفْسِّيَتُه مَع الصَدمَةِ التَي عَانى مِنْهَا وتُظهِرُ أَعراضَ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ المَوصوفَةِ أَعلاه. تُؤَدِي الأَعراضُ إلى مُستَواً عالٍ جداً مِنَ المُعَانَاةِ. يُعاني عَبدُ الله مِن ذِكرَياتٍ حَيةٍ عَن مَاضيهِ. تَكونُ فِي بَعضِ الأَحيانِ شديدةً كَمَا لَو أَنَهُ كَان في هذا الموقفِ مَرةً أُخرى في الوقت نفسِه (إِعادةُ إِحياءِ الحَدَثِ). يُحَاوِلُ بِجُهدٍ كَبيرٍ عَدمَ التَفكِيرِ في التَجَارُبِ الصَادِمَةِ فِي المَاضِي (سُلوكُ التَجَنُبِ). بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلك، يَتَفَاعَلُ جَسَدَهُ أيّضاً مَع الصدمةِ. يُظهِرُ عَبدُ الله تَوتُراً مُتَزَايِداً ويُعَانِي مِن مَشَاكِلٍ فِي النَومِ (الأَعراضُ المُستَمِرةِ متزايدة الاِستِثَارةِ). بِالإضِافَةِ إِلى ذَلك، فَإِنَ مَزاجَ عَبدُ الله آخذَ فِي التَغيّرِ. يَشعُرُ بِاليأَسِ وبالوحدة (التَغيُراتُ الفِكرِيةُ والمَزاجِيةُ

:إِلَيِكُم مَقطع فيديو قَصير باللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَن اللُجوءِ والصَدمةِ

مَاذا أَفعلُ إن كَانت لَدي أَعراضِ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ؟

إِذا كَانت لَديكَ أَعراضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ، فِمِنَ المُهم جِداً طَلبُ الدَعمِ النَفْسِّي المُتَخَصِصِ. أَظهَرتِ الدِراساتُ أَنَ العِلاجَ النَفْسِّي الذي يُرَكِزُ عَلى الصَدَمَاتِ فَعَالٌ لِلغايةِ في سِياقِ اضطراب مَا بَعدَ الصَدمَةِ. في كثيرٍ مِنَ الحَالاتِ، من المُمكنِ مُلاحظةُ تَحسنٍ بَعدَ بِضعِ جَلَسَاتٍ فَقط. فِيّمَا يَلي بَعض المَراكزِ في بَرلين ومُحيطُها المُتَخَصِصَةَ في العلاجِ النَفسِّي للاضِطِرَاباتِ التَابِعَةِ لِلصَدمَةِ في سِياقِ اللُجوءِ والحربِ

جَمعيةُ اكسنيون

مَركزُ أوبر ليبن

المَركزُ الصِحِّي لِلاجِئيِن

بالإضَافَةِ إلى المُسَاعَدِةِ المهنيةِ، مِنَ المُهم جداً أَن تَعتني بِنَفسِك. هُنَا يُمكِنُكَ العُثورَ على فِيديو آخر باللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةَ حَولَ الرِعَايةِ الذَاتِيةِ في سياقِ أَعراضِ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ

اِعتَنوا بِأَنْفُسِكُم! حَتى الاُسبوعِ القَادمِ

مُقابَلةٌ مَع فَرِيقِ البَحثَ العِلمي المَسؤولِ عنْ اِختِبارِ بَرنامج خُطوةَ خُطوةَ

تَعَرفوا على تَطبِيقِ خُطوةَ خُطوةَ وإمكانياتهُ في تَخفيفِ الضَغطِ النَفسي

العِلاجُ النَفسي للاجِئين عَبرَ الإنتَرنِت.. هَل يُخَففُ الألم المَسكوتْ عَنهُ؟

الحربُ، رِحلةُ اللُجوءِ والحَياةُ في مُجتَمَعَاتٍ مُختَلِفةَ، تَجاربٌ عَايَّشَها اللَّاجِئونَ السّوريِين وأَثرَت بشدةِ على نَفسِيةِ العَدِيدِ مِنهُم. غَيرَ أَنَ ثَقَافةِ العَيبْ قَد تُثنِيهِمْ عَن اللُجوء لِلعِلاجِ النَفْسِّي، فَهَلْ يُقدمُ العُلاجُ عَبرَ الإنتَرنِت الحل؟

بالتعاونِ مَع جَريِدةِ مُهاجِر نيوز، أَجرَى فَريقُ البَحثِ العِلميّ المَسؤولُ عَن المُدَونَةِ مُقابلةً تُعالجُ مَوضوعَ العِلاجَ النَفْسّي عَبرَ الإنتَرنِت وإمكَانِياتِهِ في تَحسِينِ الوضعِ النَفْسِّي للَّاجِئينَ والمُهَاجِرينَ المُقيمِينَ في أَلمانيا. لِرؤيَةِ المَقالِ الذي يُلخصُ المُقابلةِ، الرَجاءُ الضَغطَ هُنا

اِعتَنوا بأَنْفُسِكُمْ

شكراً لكم

نود إخباركم بأنه تم إغلاق عملية تعيين مشاركين في دراسة خطوة خطوة. في المستقبل القريب، سوف نبدأ بتقييم البيانات الإحصائي. بمجرد الانتهاء، سوف نعلمكن عن نتائج تقييم فعالية برنامج خطوة خطوة تحت خانة مشروع القوى وبرنامج خطوة خطوة في مدونة سلام الروح

شكراً لكم على مشاركتكم معنا
مع كامل الاحترام والتقدير
فريق خطوة خطوة

مَا هُوَ الدَّوْرُ الَّذِي يَلَعِّبُهُ الْبَحْثُ الْعِلْمِيُّ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ؟

:هذه المرة، لنبدأ بالسيناريو التالي

نور تعاني من مشاكل صحية وتبحث عن مختص لها. الأخصائي يأخذ تاريخ الحالة الطبية ويشخص ما قد تكون المشكلة لدى نور. يقول الأخصائي أنه يمكن علاج الأعراض بسهولة وبشكل مُعتمد باستخدام طريقة العلاج اكس واي (رمز تخيلي). إنها فعالة وتظهر دائماً نتائج جيدة. توافق نور على خطة العلاج وبعد فترة اختفت الأعراض بالفعل بفضل طريقة العلاج هذه!

الآن قد يتساءل المرء كيف يعرف الأخصائي ما إذا كانت طريقة علاج معينة فعالة أم لا. كيف يتم تحديد ما إذا كانت طرق أو مناهج العلاج مفيدة وفعالة أو ربما غير فعالة أو حتى ضارة. الجواب: عن طريق العلم والفحوصات العلمية

عندما يتم تطوير طريقة علاج جديدة – سواء كانت لمشكلة جسدية أو نفسية – يجب اختبار فعالية هذه الطريقة. يتم ذلك عادةً في إطار الدراسات العلمية مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص المتأثرين بهذه المشكلة
:إذن يتم تحديد

 ١) هل الطريقة فعالة في حل المشكلة؟

٢) إذا كانت الإجابة بنعم (أو لا)، فلماذا؟

٣) كيف يمكن تحسين الطريقة؟

فقط بعد اجتياز طريقة العلاج الجديدة „لاختبار العلم“ يمكن تقديمها في مجال الرعاية الصحية. للرجوع إلى السؤال الأول في عنوان المقال، يلعب البحث العلمي دوراً مهماً للغاية في الرعاية الصحية!

:لنلقِ نظرة على حالة ملموسة من الحياة العملية

أُثبتت فعالية مناهج العلاج النفسي التقليدية (علاجات وجهاً لوجه) منذ فترة طويلة وذلك عبر جميع الحضارات. نتيجة لتطور التقنيات الحديثة، كانت هناك مجموعة كاملة من عروض العلاج عبر الإنترنت في العالم الغربي على مدى العقود القليلة الماضية. أثبتت العديد من الدراسات العلمية في المجتمعات الغربية فعالية مثل هذه الأساليب العلاجية المستندة إلى الإنترنت. بسبب العديد من العوامل، تم النظر في إمكانية تقديم علاجات عبر الإنترنت في المنطقة الناطقة باللغة العربية. تم دراسة هذا النهج علمياً لسنوات مع العديد من المشاركين الناطقين باللغة العربية، ولكنه لم يتم تأسيسه بعد كما هو الحال في الدول الغربية

نحن في جامعة برلين الحرة ندرس أيضاً النهج الحديث نسبياً في المناطق الناطق باللغة العربية. في إحدى الدراسات، نقوم حالياً باختبار تطبيق المساعدة الذاتية المستند إلى الهاتف الذكي النفسي والذي تم تطويره بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ويسمى „خطوة خطوة“. تمت ترجمة برنامج خطوة خطوة للبلدان الناطقة باللغة العربية وملائمته ثقافياً لتقديم الدعم النفسي في حالة الضغط والتوتر والحزن بسبب الظروف المعيشية الصعبة. يقدم العرض معلومات وتقنيات ومهارات نفسية، يمكن من خلالها إدارة المشاعر والأفكار المسببة للتوتر بشكل أفضل! يمكن حالياً استخدام خطوة خطوة من قبل اللاجئين من سوريا في ألمانيا والسويد ومصر. لن يكون التطبيق متاحاً لجميع المتحدثين باللغة العربية إلا بعد أن تكون الجامعة قادرة على إثبات فعالية خطوة خطوة

في الفقرة الأخيرة نود أن نكتب عن الدور الذي لا غنى عنه للمشاركين :الطوعيين في دراسات البحث العلمي

كل باحث علمي جيد يعلم أنه كلما زاد عدد الأشخاص المشاركين في الدراسة العلمية لنهج علاج معين والمتأثرين بمشكلة صحية، كانت نتائج الدراسة أكثر جدوى وقابلة للتعميم لعامة الناس! بمعنى آخر، يعتمد العلم على أكبر عدد ممكن من المتطوعين للمشاركة في دراساته. بغض النظر عن مدى فعالية طريقة العلاج الفعلية، إذا لم يتم إثبات فعاليتها عند العديد من المشاركين في الدراسة، فيجب عدم تقديمها في مجال الرعاية الصحية. كجزء من دراسة خطوة خطوة، تحتاج جامعة برلين الحرة إلى أكبر عدد ممكن من المتطوعين من سوريا الذين يعيشون في ألمانيا والسويد ومصر. لذلك إذا كنتم من سوريا وتعيشون في هذه البلدان، فإننا ندعوكم بحرارة للمشاركة في دراسة خطوة خطوة. الرجاء استخدام الروابط التالية لتحميل التطبيق ومعرفة المزيد

:صفحة الويب

https://khoutouwat.com/

:أندرويد

https://play.google.com/store/apps/details?id=de.fuberlin.stepbystep

:أيفون

https://apps.apple.com/us/app/%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9/id1487782077?ls=1

الأسبوع القادم سنكتب عن موضوع „اضطرابات القلق والخوف“.

!نحن نتطلع لزيارتكم

اِكْتِئَابٌ

ربما لقد سمعت بكلمة „اكتئاب“ من قبل، لكنك لا تعرف ما هو بالضبط. ربما قد تعرف أيضاً شخصاً كان مصاباً بالاكتئاب من قبل. غالباً ما نقول „أنا حزين“ أو „أنا مُحبط“، لكن هل هذا يعني أننا مكتئبون؟

لا، كل شخص يشعر بالحزن أو بالإحباط في بعض الأحيان، خاصة عندما نواجه تحدياً صعباً أو خسارةً مؤلمة. إنما الاكتئاب هو مرض يصيب العقل والجسد. على غرار كسر في الساق أو إصابة في الذراع

يتم تشخيص الأمراض من خلال الأعراض، أي الشكاوى الفردية، التي تظهر معاً. في حال كسرٍ في الساق، يكون التشخيص سهلاً في الغالب. نقول إن الساق مكسورة عندما يكون هناك كسر جزئي أو كامل في العظام. في حالة الأمراض النفسية الأمر معقد أكثر بعض الشيء. نظراً لأن كل اكتئاب يجلب معه أعراضاً مختلفة قليلاً، فقد تم الاتفاق على أن بعض الأعراض المعينة يجب أن تكون موجودة لكي نستطيع أن نشخص هذا المرض

قبل كل شيء، يجب أن تكون الشكاوى موجودة لمدة أسبوعين على الأقل في كل يوم تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما يظهر المصابون واحداً أو :أكثر مما يسمى بالأعراض الرئيسية

١) فقدان الاهتمام بالأشياء والهوايات والعمل والناس. بعبارة أخرى، الأشياء التي كان المصابون يهتمون بها مسبقاً تصبح عادية وغير مُهمة في حالة الاكتئاب

٢) يظهر المصابون بالاكتئاب مزاج حزين، يكونوا محبطون وفي حالة الاكتئاب الشديد لا يمكنهم أن يشعروا بالسرور أو السعادة

٣) يفتقرون إلى الدافع للقيام بالأنشطة اليومية أو للهوايات والعمل. في بعض الأحيان يتعين عليهم بذل جهد كبير للنهوض من السرير واتباع روتين يومي منتظم

هناك أيضاً سلسلة أخرى من الأعراض الجانبية التي يمكن أن تظهر:

٤) قلة النوم أو كثرة النوم

٥) شهية أقل أو أكثر

٦) نظرة سلبية للنفس

٧) اليأس من المستقبل / التشاؤم

٨) مشاعر الذنب تجاه الماضي

٩) ألم في الجسم

١٠) أفكار انتحارية

تختلف الشكاوى الفردية ومداها أيضاً اعتماداً على الخلفية الثقافية للشخص المتضرر. نظراً لأن كل اكتئاب يختلف عن الآخر بما أن الناس فرديون جداً، يمكن لبعض الأشخاص إظهار عوارض خفيفة أو شديدة. بعض الناس يمرون بمرحلة اكتئاب واحدة فقط في الحياة، بينما يمر البعض الآخر بمراحل مراراً وتكراراً، أي عندما يكون الاكتئاب مزمن

لماذا يصاب الناس بالاكتئاب؟

تمت مناقشة هذا السؤال كثيراً. يبدو أنه لا يوجد سبب „واحد“ فقط. يتفاعل الجميع بشكل مختلف مع الأحداث في حياتهم. خاصة فيما يتعلق بتجارب اللاجئين وما يسمى بتجارب ما بعد الهجرة، أي التعامل مع التحديات في بلد جديد، يمكن أن يشعر شخص باليأس والآخر يشعر وكأنه يحصل على فرصة جديدة

كيفية تفاعلنا مع تحديات معينة لها تأثير كبير على نفسيتنا، غالباً ما تلعب العوامل البيولوجية والوراثية، بالإضافة إلى التجارب التي مررنا بها كأطفال دوراً مهم أيضاً. لدينا جميعاً سلوكيات نموذجية تعلمناها في وقت مبكر، والتي إما تساعدنا أو لا تساعدنا في المواقف الصعبة

مجدداً، من المهم أن نقول إن الاكتئاب هو مرض. حتى لو كان الكثير من الناس، في ألمانيا أيضاً، ما زالوا يعتقدون أن „الشخص المكتئب هو مجرد كسول أو لا يبذل جهداً كافياً“، فإن الأمر ليس كذلك

إذاً، ما الذي علينا فعله في حالة الاكتئاب؟

عادة لا يمكن التغلب على الاكتئاب بمفردنا، في كثير من الأوقات يتطلب الأمر علاجاً. يمكنك الحصول على المشورة بشأن هذا الأمر في ألمانيا. إما فيما يسمى بمراكز الإرشاد النفسي الاجتماعي، والمتوفرة أيضاً خصيصاً للمهاجرين، أو عند طبيب الأسرة

إذا ظهر بعد ذلك أنك تعاني من الاكتئاب، فهناك متخصصون لعلاجه. يوجد في ألمانيا معالجين وأطباء نفسيون. يعالج الطبيب النفسي الاكتئاب بالأدوية. ومع ذلك، في معظم الحالات، لا يكفي العلاج الدوائي لوحدة. العلاج النفسي مهم وضروري أيضاً. يتم إجراء المحاولة بطريقة سرية للغاية لمعرفة ما تسبب في الاكتئاب وما هي الاستراتيجيات التي يمكن للشخص المصاب استخدامها لتقليل العبء

إذا شعرت أنك مصاب بالاكتئاب بنفسك، فيرجى مناقشة هذا الأمر مع شخص ما، ويفضل أن يكون طبيباً

مَا هُوَ التَّوَتُّرُ بِالضَّبْطِ؟

يقول لي أحد الأصدقاء: أنا متوتر للغاية

يبدو أن الجميع يمتلكه والجميع يريد التخلص منه. لكن ما هو التوتر عموماً ومتى يمكن أن يصبح خطيراً؟ بادئ ذي بدء، التوتر هو رد فعل الجسم على الخطر، كما هو الحال عند العديد من الحيوانات الحية الأخرى. ربما تكون قد لاحظت بالفعل أنك عندما تكون متوتراً تغضب أو تفضل الهروب أو الاختباء تحت الأغطية. في حال التوتر نميل إلى „القتال“ أو „التجمد“ أو „الفرار“، في اللغة الإنجليزية هؤلاء هم

Fight, Flight, Freeze

من ناحية جسدية، التوتر يعني أن يتم تزويدنا بالطاقة للتعامل مع الخطر. بدايةً، هذا شيء مفيد. على سبيل المثال، إذا رأينا حيواناً ساماً، فيمكننا الهروب أسرع بفضل هذه الطاقة

معظم الضغوط في الحياة اليومية المُسببة للتوتر ليست بسبب الحيوانات السامة، ولكن بسبب المواقف اليومية مثل مقابلة أشخاص جدد أو الضوضاء أو العديد من الالتزامات. الأمر مختلف عندما تأتي إلى بلد آخر. في هذا الحال يمكن أن تسبب الكثير من الأشياء التوتر. عدم اليقين من القدرة على البقاء هنا، اللغة والثقافة الجديدة، البيروقراطية في التعامل مع السلطات، والعنصرية وبالطبع ذكريات الماضي. ينظر الناس إلى أشياء أو أشخاص أو مواقف مختلفة على أنها مُرهقة ومُسببة للتوتر. التوتر هو أمر فردي، حتى لو كانت هناك مواقف معينة تعني خطراً على جميع الناس

يمكن أن يكون لمستوى التوتر المتزايد بشكل دائم تأثير سلبي على صحتنا، حيث يتم توفير الطاقة طوال الوقت. الأمر مشابه لقيادة السيارة بأقصى سرعة طوال الوقت. بعد فترة يمكن أن يشعر المرء بالتعب والإرهاق

إذاً، ينشأ التوتر في المواقف التي تشكل خطراً علينا. غالباً ما تكون أفكارنا وتقييمنا للمواقف مهمين. إذا حكمنا على الموقف على أنه شيء يمكننا التعامل معه بمفردنا أو بمساعدة الآخرين، فسنحاول القيام بذلك على الأغلب. لذلك، نحن ندرك صعوبة الموقف ونقارنها بالمهارات التي لدينا للتعامل معها

من المهم أيضاً كيف نتعامل مع أنفسنا في المواقف الصعبة. هل نحن لطفاء ومتعاطفون مع أنفسنا („أعلم أن هذا موقف صعب، لكنني أحاول أن أكون ودوداً مع نفسي وسوف أنجح في التغلب عليه“) أو صارمين ومتطلبين („يجب أن تشعر بشكل أفضل …“ ) – أي سيناريو يبدو وكأنه أقل توتراً؟

يؤدي التوتر طويل الأمد والشعور بعدم القدرة على فعل أي شيء حياله إلى إجهاد مزمن مع علامات جسدية نموذجية مثل الأرق واضطرابات النوم وقلة الشهية أو تشنج العضلات

فهم التوتر مهم من أجل التعامل بشكل أفضل مع التوتر. سؤال النفس، ما الذي يسبب توتري في الموقف الآن؟ كيف يعبر جسدي عن هذا (تشنج الرقبة أو الأرق) وما هي أفكاري تجاه ذلك؟

قد يكون من المفيد أيضاً أن تخبر شخصاً ما عن توترك؛ الطبيب هو أيضاً عنوان جيد لذلك. إذا كان لديك شعور بأنك تعاني من التوتر بشكل دائم، فيجب أن تحصل على المساعدة (خطوة بخطوة)ستجد مع الوقت في هذه الصفحة أيضاً تمارين بسيطة للقيام بشيء حيال تجربتك مع التوتر