فِي الأُسبوعِ المَاضي كَتبنا لَكُم عَن „الحُزنْ“ وكَتبنا عَن أَحدِ النَماذجِ النَفسِّيةِ الَتي تَتَعَامَلُ مَعَ الحُزن، كُلُ النَمَاذِجِ
والنَظرياتِ لَهَا „هَدفٌ نِهائي“. هَذاْ يَكمُنُ في قُبولِ الخَسارةِ المُسَبِبَةِ لِلحُزنِ في مَرحلةٍ مَا والمُضِّي قُدُمَاً مَعَها
اليَومُ سَوفَ نُعالجُ الأسئِلةَ التَالية: هَل يَحزنُ النَاسُ عَلى نَفسِ الشَكلِ فِي كُلِ مَكانٍ فِي العَالم؟ هَل تَستَمرُ عَمَليةُ الحِدَادِ/الحُزنِ فِي كُلِ مَكان بِنَفسِ المُدةِ؟ مَاذا يُمكنُ أَن يَحدُثَ إِذَا كَانت عَمليةُ الحُزنِ أكثَرَ شِدَةً وتَستَغرِقُ وقتَاً أَطولَ بِكَثيرٍ؟
:أَخبَرَنِي صَديقٌ مُقَرَبٌ مؤَخَراً
„الحُزنُ هوَ ظَاهرةٌ عَالمَيةٌ من دونِ نَظريةٌ عَالمَيةَ“
يُوضحُ هَذا الاِقتِبَاس بِأَنَهُ يُمكِنُ بِبساطةٍ الإجَابَةُ على السؤالين الأولين بِالنَفيّ! في عَمليةِ الحزن، حَيثُ تَبدو شِّدَةَ وطَولِ تَجربةِ الحُزن مُختَلِفَةً تَماماً مِن شَخصٍ لِآخَرٍ ومِنْ ثَقَافَةٍ إلى أُخرى. عَلى سَبيلِ المِثَالِ، يَحزنُ سُكانُ نَفَاجْو الأصليّون فِي وِلايَة أُريزونا لِمُدَةِ أَربعةِ أَيامٍ فَقط، بَينَمَا فِي الثَقافَاتِ الغَربيةَ يَبلُغُ مُتَوسِطُ الحِداد حَوالي عَام على سَبيلِ المِثَالِ عِندَ فُقدانُ الزَوج. حتى الطَريقةُ التي يَظهرُ فِيهِا الحُزنُ تَكونُ مُختَلِفةٌ أَيضاً. فِي المُجتَمَعاتِ الغَربيِّة، مِن المُرجَح أَنْ يَتمُ إظهارُ الحُزن في الأُسرة أو بَين الأصدِقاء. وَبِعكسِ ذلك، هُناكَ إِعرابٌ عَلَنيٌ لِلحِدادِ فِي العَديدِ مِنْ دولِ جَنوبِ أوروبَا وشَمالِ إِفريقيا. في بَعضِ الثَقافاتِ يُعتَبَرُ الحِدادُ العَلَنِّي غَير صِحيّ أَو حَتى مَمنوع، وعِندَ البَعضِ الآخرِ لا يَبكونَ فِي وَجهِ الخَسارة، بَل يَبتَسِمون
لِذا فَإنَ المُحَصِلَة النِهائِيةَ هي: الحُزنَ عَملِيةٌ فَرديةٌ بَحتِيه، تَتأثَرُ بِشدةٍ بِالثَقافَةِ
نَأتي الآن إلى آخرِ الأَسئلَةِ المَذكورةِ أَعلاه. مَاذا يُمكنُ أَن يَحدُث إذا بَدأت عَملِيةُ الحُزنِ بأخذِ أشكالٍ مُستَمرةً وَشَديدة؟
يُعتَقَدُ فِي عِلمِ النَفْسِ „الغَربيّ“ أَنه إذا استَمرَ الحُزن بِشَكلٍ حَادٍ على مَدى فَترةٍ طَويلةٍ جداً مِنَ الوقت وكان يُحققُ مَعايير أُخرى فَيُمكِنُ أَن يَحدثَ مَا يُسَمى بِاضطِرَابِ الحُزنِ المُستَمر ـ غَيرُ الاكتئاب
يُعرَّف اِضطِرابُ الحُزنِ المُستَمر بِأَنَهُ مَرضٌ يُؤدي إلى رَدَ فِعلِ حُزنٍ مُستمرٍ ومُتَغلغِلٍ بَعدَ وَفاةِ شَخصٍ قَريبٍ جِداً.
:وَيتَمَيزُ بِمَا يلي
١. إِجهادُ الاِنْفِصَالِ: الذي يصف لَهْفَةً قَويةً أو اِستمرارُ الانشغال (أي التَفكيرُ الدائمْ) بالشخصِ المتوفى
٢. الأَعراضُ المَعرِفيةَ – السِّلوكيَّة – العَاطِفيَّة المَصّحوبةِ بألمٍ عَاطِفي شَديد
عَلى سَبيلِ المِثال الحُزنُ والشُعورُ بِالذَنبِ والغَضبِ والإنكارِ والتَوبيخِ والتَنميلِ العاطفِي
صُعوبةُ تَقبلِ المَوت
الشعورُ بِفُقدَانِ جِزءٍ مِنَ الذَات
عَدمُ القُدرةِ عَلى اِختبارُ المَشاعر الإيَجابيةِ
٣. يَستَمرُ رَدُ فِعلِ الحُزنِ لِفَترَةٍ طَويلَةِ بِشكلٍ غَيرِ مُعتَادٍ بَعدَ الخَسارَةِ (عَلى الأَقل ٦ أَشهرٍ) ويَجبُ أَن يَتجاوزَ بِوضوحٍ المَعايِّيرَ الاجتماعيةِ، الثَقافيةِ أو الدينِيةِ المُتَوقعة لِثَقافَة المَرءِ وسِيَاقِ حَياتِهِ
٤. إعَاقَاتٌ كَبيرةٌ فِي مَجالاتٍ مُهِمَةٍ مِنَ الحَياةِ
إذاً مَاذا الآنْ؟ هَلْ نَحنُ „مُضطرِبين“ فَقطْ لِأَنَنَا نَحزَنْ؟
بِالطَبعِ لا! كَما قُلتُ سَابِقاً، الحُزنُ هو ردةُ فِعلٍ طَبيعيةٍ وآليةِ مُعالجة. يُمْكِنُنا ومِنَ المَسموحِ لَنَا أن نَحزنْ. يُمكِنُنا التَحدثُ مَع أَنْفُسِنَا عَنْ خسارَتِنَا. يُمكِنُنا القِيامُ بِطُقوسٍ وشَعَائرٍ. لَيسَ هُنَاك الصَحيح أو الخَاطئ. يُمكِنُ اِستخدامُ أَيَّ شَيء ليُساعِدُ المَرءُ فِي الحِفَاظِ عَلى الذِكرياتِ الجَميلةِ، وتَقبلِ مَشاعرِ الحُزن، وعِنْدَمَا يَحينُ الوَقت لذَلِكَ، لِلعَودةِ إلى الحَياةِ
لَكنْ دَعونا نَقول: فِي الوَقتِ الذي يَستَمرُ فيهِ حُزنُنَا بِشدةٍ ولِفَترةٍ طَويلةٍ جِداً ويَمنَعُنَا مِن الاِستمتَاعِ بِالحَياةِ والشُعورِ بِالرَاحَةِ كَمَا كُنا نَشعُرُ قَبلَ الخَسارة، يَنبَغي عَليّنَا التَفكيرَ فِي الحُصولِ عَلى (المَزيدِ من) الدَعم
نَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم!
نَتطلع لِذَلِكَ بِشدةَ!