خِلالَ الأُسابيعِ المَاضيّة قد كَتَبنا لَكُم عَنْ مَوضوعِ „الحُزن“. وشَرَحنَا مَا هو الحُزنُ. ثُم ذَكَرنَا بِأَنَ هُنَاكَ اختِلافَاتٌ ثَقافِيةٌ فِي عَمليةِ الحُزنِ. وفِي نِهايةِ المقالِ، عَالجنا الحَاْلةَ التي قَد يُصبِحُ فيها الحُزنُ مُشكلةً. فِي هَذا المَقَالِ سَنُعَالِجُ الحُزنَ وفُقدَانُ الوَطَنِ
فِي مَجرى حَياتِنَا، نَحنُ لا نَبني عَلاقاتٍ مَع أَشخاصٍ آخَريِنَ فَحَسبْ، بَل نَرتَبِطُ أَيضاً مَع الوَطن وكُلُ مَا يَخصهُ. إِذَا اِضطُرِرنَا إِلى مُغادَرَةِ وَطَنِنَا بِسَبَبِ اللُّجوءِ والحَربِ، فَإنَ ذَلِكَ يُؤثر عَلينا بالطَبع. نَفقِدُ جِزءاً أساسياً مِن أَنْفُسِنَا. هَذهِ الخَسارةُ مؤلمةٌ جِداً ونَحزَنُ عَليِها. الحُزنُ الذي نَشعرُ بِهِ في هَذا السياقِ هو رَدُ فِعلٍ طَبيعي لِمُعَالَجَةِ الخَسارة ويُمكِنُ أَنْ يَكونَ لَهُ آثَارٌ عَلى صِحَتِنَا النَفْسِّيةَ
حِكايةُ وَفاء وأَفكَارُهَا تَدُلُنَا عَلى مَعنَى خَسارةِ الوَطنْ
السَّيدةَ وَفاء مِن سوريا. كانَت في سوريا اِمرأَة نَاجِحةَ لِلغايةِ. بِالإِضَافَةِ إِلى وَظِيفَتِهَا كَمُعَلِمةٍ لِلمَرحَلَةِ الاِبتدائيةِ في المَدرسِةً، كَانت أيضاً تَاجرةُ عَقارَاتً مُهِمَةٍ تَحظَى بِالكَثيرِ مِن الاِحتِرَامِ فِي (مِهنَةٍ يُهَيمِنُ عَليِهَا الذُكور). عَمِلَتْ بِجدٍ لِمُدَةِ أَربَعِينَ عَاماً، وحَارَبتْ جَميِعَ أَنواعِ الصورِ النَمَطيَّةَ، وصَنَعتْ اِسماً لِنَفْسِهَا وكَانَتْ نَموذَجاً يُحتَذى بِهِ لِلعَدِيدِ مِنَ النِسَّاءِ. في وقتٍ ما اِندِلعت الحَربِ فِي سوريا. لِحُسنِ الحَظ، لَم تَفقُد أَيّاً مِن أَفرادِ أُسرَتِها أَو أَصدِقَائِها المُقَرَبين. ولكن بِسبَبِ تِلكَ الحَرب، اِختَفى تَدرِيجِياً كُلُ شَيء قَد أَنْجَزَتْهُ بِالكَدِ والتَعَبِ وسَهرِ اللَّيَالي. فِي وَقتٍ مَا حَيثُ أَصبَحَ الوَضعُ خَطيرٌ لِلغايةِ اِضطُرَتْ لِلهَرَبِ إِلى أَلمانيا مَع أولادِها مِنذُ سِتِ سَنَوات. ومُنذُ ذَلِكَ الحين، تَشعرُ وَفاء بِالحُزنِ المُستَمرِ. وتَفتَقِدُ وتَشتَاقُ لِكُلِ شَيء فِي سوريا، تَكونُ مُنشَغِلَةً بتِلكَ المَشاعِرِ بِاستمرَارٍ وتَتَمَنى طَوالَ الوَقت لَمُ شَملِها بِوَطَنِها وأَنْ تَستَعِيدَ كُلَ مَا كَانت تَملكُه مِن قَبل فِي سوريا
حِرمانُ أَحداً مَا مِن الوَطن، الأمَان، الطَعام، الرَوائِح، والشُعور بَأنَهُ جِزءُ مِن مَجموعةٍ
المَشي فِي شَوارِعِ المَدِينةَ دونَ أَن يَشعرَ المَرء تَماماً كَأنَهُ غَريب، وعِنْدَما يُحَاوِلُ الاِعتقاد بِأَنْهُ لَم يَعُد غَريباً بَعدَ الأنْ، تَعودُ نَظرات أَو تَعليقاتٌ الآخرين لتُذَكِيرهُ بِذَلكَ
أَنْ تَكونَ حَبِيِّسَ ذِكرياتٍ مِنَ المَاضي
أَنْ يَتم تَصغيرُها مِن اِمرأَةِ نَاجِحةٍ لِلغَايَّة ومُستَقِلَة إِلى لَاجِئةً تَرتَدِي الحِجابَ
السَبَبُ فِي حُزنِ السَّيدةِ وَفاء يَعودُ إِلى فُقدَانِهَا لِوَطَنِها. لَقَدْ فَقَدَتْ وَفاء وَطنَها وكُلُ شَيء فِيهِ ومَعهُ أيضَاً مَا يُقدرُ بأَربعينَ عَاماً مِنَ العَملِ والشُّعورِ بَأنَ لَها هَدَفاً فِي هَذهِ الحَياةِ. مَع هَذهِ الخَسارَةِ، فَقدَتْ الشُّعورَ بالاِستِقرَارِ والعَودَةِ إِلى الحَياةِ الطَبيعِيَةِ. فَهِيَ تَشّعُرُ بِأَلمٍ شَدِيدٍ وبِالحُزنِ. الآثَارُ النَفْسِّيةُ تَظهَرُ في الحُزنِ المُستَمرِ والرَّغبةِ الشَديِدةِ والاِنشغالِ بِمَا فَقدَتْهُ. إنَ هَذهِ الأَعراضَ مُستَمرِةٌ مِنْذُ مُدَةٍ طَويلَةٍ ووَفاء تُعَانِي مِنْهَا كَثِيراً
يُظهِرُ هَذا تَشَّابُهاً قَويّاً مَع تَشخِيصِ „اِضطِرَابُ الحُزنُ المُستَمر“. حَيثُ إَنَ السيِّدةَ وَفاء تُعاني مِنْ إِجهادِ الِانْفِصَالِ. وهَذا يَعني بِأَنَ لَدَيِهَا رَغبةٌ قَويَّةٌ فِي اِستعادةِ مَا فَقَدَتهُ وهي مُنْشَغِلَةٌ بِاستِمرَارٍ بِذَلك. بالإضافةِ إلىَ ذَلك لَديها أعراضً معرفية سلوكية وعاطفية
تَتَجلَّى هَذِهِ الأعراضُ بِشكلٍ خَاصٍ فِي حُزنِهِا. يَكمُنُ الاِختِلَافُ فِي اِضطِرَابِ الحُزنِ المُستَمرِ فِي أَنَ المُسَبب لَيِس مَوتُ أَو اِختِفَاءُ أَحَدِ الأَحبَاءِ، بَلْ فُقدَانُ الوَطنِ/المَنْزلِ المَوصوف. يُمكِنُ أَنْ يَتَسَبَبَ فِقدَانُ الوَطنِ/المَنزلِ أَيضاً فِي رَدِ فِعلِ حُزنٍ قَويِّ ومُستَمر
لا يُمكنُ أَنْ يَكونَ الحُزنُ نَاتِجاً فَقط عَن وفَاةِ أَحدِ الأَحباءِ المُقَرَبينَ، بَلْ يُمكِنُ أَنْ يَكونَ فُقدَانُ الوَطنِ/المَنزلِ أَيّضاً سَبَباً رَئيسياً لِلحُزنِ. رَدُ الفِعلِ هَذا طَبيعِيٌّ ومُبَررٌ. لِأَنَ جِزءاً أَساسِّياً مِنْ أَنْفُسِنَا قَد مَاتْ بِفُقدَانِ مَنْزِلِنَا ونَفسِيُتنَا تُحَاوِلُ مُعَالَجةُ هَذا الفُقدَان. إِحدَى النَتائجِ المُحتَملةِ هِي الأَعرَاضُ المَوصوفَةُ التَي ذُكِرت. يُمكِنُ أَنْ تَحدُثَ بِشَّكلٍ فَرديِّ فِي شِدةٍ مُختَلِفَةٍ وقَدْ تَستَمرُ لِفَتَراتٍ زَمَنِيةٍ مُختَلِفَةٍ أيِّضاً
مِنَ المُهمِ التَأكيدِ عَلى أَنَ خُروجَكَ مِن وَطنِكَ بِسبَبِ الحَربِ واللُّجوءِ، وبالتالي رُبما فُقدانُهُ إِلى الأَبد، هو سَبَبٌ مَشروعٌ لِلشعورِ بِالحُزنِ. الحُزنُ هو خُطوةُ مُعَالَجَةٍ مُهمةٍ فِي التَعامُلِ مَع هَذهِ الخَسارَةِ الفَادِحَةِ. ومَع ذَلِكَ، إِذَا اِستَمرَ حُزنُنَا بِشَّكلٍ مُكثَفٍ ولِفَترَةٍ طَويلَةٍ جِداً ومَنَعْنَا مِنَ التَعامُلِ مَعَ حَياتِنَا اليَوميِّة، فِمَنَ المُهمِ أَنْ نَسْعَى لِلحُصولِ عَلى الدَعمِ
اِعتَنوا بِأَنْفُسِكُم يا أعزاءي نَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم