قِصَّتي مُشَابِهةٌ لِقِصَصِ الكَثِيرِ مِنْكُم. وَمَع ذَلِكْ فَهي فَريِّدةٌ مِنْ نَوعِهَا
حَتى سِنْ الثالِثةَ عَشر، كَانَتْ حَيَّاتِي طَبِيعِيَةً جداً. كَان شَاغلي الأكبر، مُثلُ العَديِّدِ مِنَ الأَطفالِ الآخريِّن فِي مِثلِ سِنِّي، هو مَا كُنْتُ سَأكلُهُ عَلى العَشاءِ، ومَا سَأرتَديِّهِ فيِ اليَّومِ التَالي، ومَا إذَّا كانَ المُعلمُ سَيُّعطِيِّنَا وَاجِباتٌ مَنْزِلِيِّةٌ صَعبة
في عَامِ ٢٠١١ اِنْدَلَعتْ الحَربُ في بَلديِّ الأُم – سوريَّا – وَهَكَذاْ غَيَّرتْ الطَلقةَ الأَولى مَع القُنبُلَةِ الأولى كُلَ مَا كانَ مَعروفاً ومَألوفاً بِالنْسبَةِ ليّ. مُنْذُ ذَلِكْ الحيِّن، والنْاسُ يأمَلونَ وَيُصلَونَ كلَ يَّومٍ أَنْ يَّنْتَهي هَذا الكابوسُ قَريِّباً، وَمَعْ ذَلِكْ فَهو يُرَافِقُنا حَتى يَّومِنَا هَذا
يُعتَبرُ التَعذيِّبُ والجَوعُ والخَوفُ والحَزنُ والغَضبُ والهُروبُ والمَوتُ بِالنِسبَةِ لِلكَثيريِّن عَبارةٌ عن سِلسِلَةً مِنَ الكَلِمَاتِ السَّلبيةِ. لَكنْ بِالنِسبَةِ لِلكَثيريِّن الآخَريِّن هُم الوَاقِع. إذَّا سَّألتُموني مَا الَذِي يوحِدُنَا بِشَكلٍ أَساسيِّ كلاجِئيِّن ومَا الَذِي يُمَيِّزُنَا عَنْ غَيِّر اللَاجِئيِّن، فَإِنَ جَوابي هو: الحَظُ السَّيئ!
حَظٌ سيئ لِأنَنا ولِدنا فِي مَكانٍ آخرْ. حَسناً، لَمْ يُحالِفُنَا الحَظْ واضّطُرِرنَا إِلى الفَرارِ. بِغَضِ النَظرِ عَنِ المَكانِ الَذِي وَصَلنَا إِليِّهِ في العَالمِ، حَاولنا وما زِلنْا نُحاوِلُ جَميِّعاً بِطُرُقٍ مُختَلِفَةٍ بدءِ حَياةٍ جَدِيدَةٍ. يوجدُ شَيءٌ وَاحد مؤكداً بِالنِسبَةِ لِي. بِغَضِ النَظرِ عَنْ مَدى نَجاحِنَا أَو عَدَمِ نَجاحِنَا فِي البِدايَّةِ الجَديِّدَةِ، لَدينا جَميِّعاً قَاسِمان مُشتَركان: ألا وَهُما زِيارَةُ أَشباحِ المَاضِي وَزِيارَةُ أَحلامِ المُستَقبَل
بِالنِسبَةِ لِلضَيِّفِ الأَول (أَشباح الماضي)، أَطلُبُ مِنْكَم أَلا تَفهَمَونّي بِشَكلٍ خَاطِئ. الأَشباحُ لَيِّسَتْ دَائِماً شِريِّرةَ. البَعضُ دَافئٌ ومُحبٌ ويَضعُ اِبتِسَامَةً صَادِقَةً عَلى وجوهِنَا. هَذهِ الأَشباحُ هِي الذِكرَيَّاتُ العَزيِّزةَ. الأَرواحُ الأخُرى شِريرة وتُسبب حُزناً يسحقُ قلوبنا بِشكلً مُوجع. هَذا الألم لا يُمكن لأي لوحةِ مفاتيحً في العالم أن تَوصِفهُ بشكلٍ مناسبً ولا حتى جزءً منه. الأَمرُ نَفسهُ يَنطَبقُ عَلى الضيِّفِ الثَاني (أَحلامُ المُستَقبَل). يُمكنُ أَنْ يَكونَ الحُلمُ مُرضيِّاً ويَمنَحُنَا الأَمَلَ والقوةَ. لَكِنَ الحُلمَ يُمكنُ أَنْ يَكونَ مُزعِجاً ومُقلِقاً أيِّضاً. يُمكِنُ أَنْ يُفسد علينا اللِّيلة ويَجعَلُنَا مُتعَبيِّنَ فِي اليَومِ التَالِي. وهَكذَّا نَتَأرجَحُ بَيِّنَ الذِكرَيِاتِ والأَحلامِ. يُحاوِلُ البَعضُ عَدمَ السَماحِ لِلضَيِّفِ الأَولِ بِالدُخولِ والتَركيِّزِ عَلى المُستَقبَلِ. قَدْ يَخافُ الآخَرونَ مِنَ المُستَقبَلِ ولِذَلِكْ يُفَضِلونَ التَسَّامُحَ مَع (ورُبَما الاِستِمتاع) بزيِّارَةِ الضَيِّفِ الأَول
حَسنْاً، هَذهِ المُدونةَ موجَهةٌ لِلعربِ. والعَربُ مَشهورونَ جِداً بِكرَمِ ضِيَّافَتِهم. يَنبغي عَليِّنَا، بقَدَرُ الإِمْكَانِ، أَنْ نُرَحِبَ تَرحِيباً حَاراً بِجَميعِ الضُيّوفِ، سوآءاً أَكانْوا جَيِّديِنَ أَم سَيئيِّن، وأَنْ نَقبَلَهُم كَجِزءٍ مِنَّا. بِفَضلِ هَؤلاءِ الضُيوفِ، نَحْنُ الأَشخاصُ الَذِينَ مَا نَحْنُ عَليِّهِم اليَّوم. مِنَ المؤَكدِ أَنَ تَقَبلِ كِلا الضَيِّفيِّنِ لَيِسَ بِالأمرِ السَهلِ. إِنَهُ يُكلِفُنَا الكَثيِّرَ مِنَ الشَجاعَةِ والقوةِ وكَثِيراً مَا يُكلِفُنَا ذلك الكثيرَ مِنَ الدُموعِ. لَكنَنِّي أَقولُ دَائِماً: العَيِّنُ الَتي لَا تَبْكِي لَا تَسّتَطِيعُ الرؤيَّةَ بِوضوحٍ
أَثنَاءَ القِراءةِ، رُبَما لَاحَظْتَم أَنَنِّي غَالِباً مَا أَقوم بِالتَبديِّلِ بَيِّنَ الضَميرين „أَنا ونَحْنُ“ في المُخاطَبةِ. هَذا عَن قَصدْ! لأَنَهُ إِذَّا نَظَرْتَم إلى الجُملَةِ الأولى فِي هَذا المَقال، فَقدْ تُصبِحوا أَكثرَ وَعيِّاً بِمَدَى تَشابُهِ قِصَصِنَا وَلكن أيَضاً بِمَدى تَميزها جَميعاً
أَراكُمْ فِي المَرةِ القَادِمَةِ أيُّهَا الأَعِزَاء